كتب/هاني حسبو.
سؤال هذه المقالة وإن شىت قل عنوانها سأله سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص ذات يوم ليثبت للعالم أجمع أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيها من اليسر ما فيها وفيها من السماحة ما فيها لنستمع إلى القصة من بدايتها:
روى الإمام أبو داود رحمه الله تعالى عن عبد الرحمن بن جيبر، عن عمرو بن العاص قال: احتَلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوةِ ذاتِ السُّلاسلِ فأشفَقتُ إنِ اغتَسَلتُ أن أَهْلِكَ فتيمَّمتُ، ثمَّ صلَّيتُ بأصحابي الصُّبحَ فذَكَروا ذلِكَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا عَمرو صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ؟ فأخبرتُهُ بالَّذي مَنعَني منَ الاغتِسالِ وقُلتُ: إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يقولُ: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾، فضحِكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ولم يَقُلْ شيئًا.
وكل ذلك مما أفادنا به فقها لعمرو بن العاص، يوم ذات السُّلَاسِلِ. وحين احتلم، وجاء وقت الفجر، وإذ كان الجو باردًا، وعلى حد حكايته: أنه لو اغتسل بالماء لمات، وكان منه اجتهاده بالتيمم للصلاة فصلى، وحين علم النبي صلى الله عليه وسلم منه فعله ضحك، ولم يقل شيئًا، ولعله إقرار منه صلى الله عليه وسلم بفعله رضي الله تعالى عنه.
وهذا تأويل لآي الذكر الحكيم القرآن العظيم، وحين قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].
وهذا برهان جواز الاجتهاد عند عدم وجود النص، وبإعمال نص آخر في المسألة، أو في وجوده وحين تأول عمرو بن العاص قوله تعالى ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِن اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، ولأنه هذا هو ديننا شامل كامل، ولأنه كتاب عام حوى ذكر الحلال والحرام، ذكر ائتلاف ووئام، لا اختلاف وشقاق، وهذه من رحمته تعالى بهذه الأمة، أن أنزل عليهم كتابًا فيه نبأ ما قبلهم، وحكم ما بينهم، وبحيث جنبهم به الزلل، وبحيث أغناهم به عن خطل!
وقد يقول قائل أن هذه الحادثه خاصة بعمرو وحده وليس للأمة فيرد عليه أن العبرة بعموم اللفظ والحادثة لا بخصوصيتها.
واشكال اخر هو كيف يصلي متيمم من حدث اكبر متوضئين فيرد عليه بما قاله ابن حزم رحمه الله تعالى:
قال ابن حزم :
وجائزٌ أن يؤمَّ المتيممُ المتوضئينَ ، والمتوضئُ المتيممينَ ، والماسحُ الغاسِلينَ ، والغاسلُ الماسحينَ ؛ لأن كلَّ واحدٍ ممن ذكرنا قد أدَّى فرضَه ، وليس أحدُهما بأطهرَ من الآخر ، ولا أحدُهما أتمَّ صلاةً من الآخر ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمَّهم أقرؤهم ، ولم يخص عليه السلام غير ذلك ، ولو كان ههنا واجبٌ غير ما ذكره عليه السلام لبيَّنه ولا أهمله ، حاشا لله من ذلك ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وهو قول سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان .
وروي المنع في ذلك عن علي بن أبي طالب ، قال : لا يؤمُّ المتيممُ المتوضئين ، ولا المقيَّدُ المطلَقين ، وقال ربيعة : لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله ، وبه يقول يحيى بن سعيد الأنصاري .
وقال محمد بن الحسن والحسن بن حي : لا يؤمهم .
وكره مالك وعبيد الله بن الحسن أن يؤمهم ، فإن فعل أجزأه .
وقال الأوزاعي : لا يؤمهم إلا إن كان أميراً .
قال علي – أي : ابن حزم – : النهي عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنَّة ولا من إجماع ولا من قياس ، وكذلك تقسيم من قسم ، وبالله تعالى التوفيق.