يوسف شهاب… البصيرة التي ترى بنور السماء

بقلم: / حسن السعدني
في قرية دنجواي الهادئة بمحافظة الدقهلية، حيث يتنفس الناس السكينة، وتتشرب القلوب نور الذكر، وُلد الطفل يوسف السيد عبد العزيز شهاب عام 2010، ليضيء الحياة بنورٍ من نوعٍ آخر.
رغم أن عينيه لم تُبصرا الدنيا، إلا أن قلبه رأى ما لم تره عيون المبصرين.
يوسف… ذاك الطفل الذي حرمه الله من البصر، لكن منحه نعمة البصيرة، فصار يرى بنور القرآن، ويسير على هدى الكلمات الإلهية.
قلبه مصحف ناطق
منذ نعومة أظافره، تعلقت روحه بكتاب الله. لم يكن كغيره من الأطفال، بل كان إذا استمع للآيات، حفظها بشغف، ورددها بحب، وكأنما وُلد من أجلها.
وفي سن العاشرة، أتمّ حفظ القرآن الكريم كاملًا، فأصبح قلبه مصحفًا ناطقًا، ولسانه يُرتل بنغمات الخشوع. ولم يقف عند الحفظ، بل أتقن أحكام التلاوة والتجويد، حتى بلغ الثانية عشرة، فإذا بصوته يفيض نورًا، ويهزّ الأرواح بصفائه.
وفي الرابعة عشرة، نال الإجازة في قراءة حفص عن عاصم، ليُصبح من أهل السند المتصل، ومن حملة النور النبوي.
من المسابقة إلى بيت الله الحرام
لم تكن مشاركاته في مسابقات القرآن الكريم مجرد رغبة في التتويج، بل كانت درجات للارتقاء.
فحصل على المركز السابع على مستوى الجمهورية في حفظ القرآن كاملًا عن المرحلة الابتدائية، وتوالت انتصاراته في المسابقات المحلية، حيث حاز على المراكز الأولى في مركز شربين ومحافظة الدقهلية.
وفي هذا العام، أهدى نفسه وأهله إنجازًا جديدًا، بحصوله على المركز الأول في المسابقة القرآنية بقرية ترعة غنيم، ليُكرَّم برحلةٍ إلى بيت الله الحرام، وكأنما أراد الله أن يُقابل يوسف نوره بالنور.

يوسف… آية تمشي على الأرض
ليس يوسف مجرد فتى فاقد للبصر… بل هو آية من آيات الله تمشي بين الناس، يعلّمهم أن البصر الحقيقي في القلب، وأن نور الإيمان لا يحتاج إلى عيون، بل إلى صدق في العزيمة وصفاء في النية.
لقد أثبت أن القرآن ليس كتابًا يُحفظ فقط، بل حياة تُعاش، وأن من اتخذه جليسًا، رفعه الله، وأعزه، وجعل له في الدنيا قبل الآخرة مقامًا كريمًا.
في الختام:
يا يوسف بن دنجواي، لقد سبقتنا جميعًا إلى النور.
لم يوقفك فقدان البصر، بل كنت صوتًا يهز الأرواح قبل الآذان، وحارسًا لنور السماء.
حفظت كلام الله… فحفظك الله.
طوبى لك يا يوسف، وطوبى لأهلك ومعلميك، وطوبى لقريةٍ أنجبتك، فكنت فخرًا لدنجواي، وقدوة لأجيال، ودليلًا على أن النور لا يُرى بالعين… بل يُستشعر بالقلب.
حسن محمد السعدني
كبير معلمي اللغة العربية مدرسة السعدية الثانوية
إدارة شربين التعليمية