يُخـــــرِبُون بيوتَهـــم بأيديهــم..!! بقلم: علاء محمد الصفطاوي
عاد من عمله وآثار الإرهاق تبدو على وجهه، فالعمل الذي يؤديه شاق، ويتطلب منه أن يظل فترة طويلة تحت أشعة الشمس التي لا ترحم، خلع ملابس العمل المتسخة وارتدى ثوباً فضفاضاً.. جلس على كرسي في صالة البيت ليريح جسمه الذي أنهكه التعب. تناول جريدة وضعت على طاولة بجانبه.. بدأ يقلب صفحاتها.. أقبل عليه ابنه وقسمات وجهه تدل على فرحة غامرة برؤية والده، الذي احتضنه وقبل جبينه ثم سأله: كيف حالك؟ – الحمد لله .
– ماذا فعلت اليوم . – شاهدت التلفاز ولعبت البلاي ستيشن . من حين لآخر كانت الزوجة تعتذر عن تأخرها في إعداد الطعام وتقول له : دقائق ويكون الطعام على المائدة .. فهي حريصة أن يكون الطعام جاهزاً عند قدوم زوجها .. ونادراً ما يأتي والطعام غير مُعدُّ. أشفق على زوجته وقال لها : لست متعجلاً .. وعلى العموم أنا ألاعب ولدنا الحبيب .. ثم استمر في لعبه مع ولده. فجأه توقف الولد عن اللعب واقترب من والده ثم همس في أذنه : أبي أريد أن أخبرك بشيء ما.. تصنَّع الأب الاهتمام وقال لولده: ماذا وراءك يا بُني؟ قال الابن : عندما تخرج من البيت لتذهب إلى عملك يأتي أحد الرجال ويطرق علينا الباب، فتفتح له أمي ثم تأخذه إلى غرفة النوم وتغلق الباب عليهما !!
انتفض من مكانه .. احمر وجهه .. انتفخت أوداجه .. تطاير الشرر من عينيه .. أرغد وأزبد.
– ماذا تقول يا ولد؟ خاف الولد .. ارتعدت فرائصه فأسرع إلى غرفته وأغلق على نفسه الباب. – نادى على زوجته بصوتٍ عالٍ. – أتت مسرعة .. قالت – وهي خائفه – نعم .
– أخبريني . . ماذا يحدث بعد خروجي من البيت ؟ تصنعت الابتسامة ثم قالت : ما الدّاعي لهذا السؤال وأنت تعرف الإجابة.
– قلت لك .. ماذا يحدث بعد خروجي من البيت ؟ أدركت أن هناك شيئاً ما، فقالت بجدية واضحة. بعد خروجك أبدأ في تنظيف البيت ثم أوقظ ابننا فأنت تعلم أنه .. قاطعها قائلاً: ما عن هذا سألتك .
– عن أي شيء تسأل ؟
عن الرجل الذي يأتي إليك ويدخل بيتي وينام على سريري يا ..
– ماذا تقول .. هل جُننت .. ألم تعرفني بعد كل سنوات العشرة هذه .
رد عليها قائلاً : لم آتي بشيء من عندي .. اسألي ابنك الذي حكى لي عن كل شيء .
– أنت تعلم أني لا أفتح الباب لأحد بعد خروجك .
– قولي كلاماً غير هذا .. ثم قال باستهزاء : لابد أن تنكري.
– بكت .. خانتها قواها .. جلست على أقرب كرسي .. نظرت إليه نظرة تحمل كل معاني العتاب التي تعجز الكلمات – مهما بلغت بلاغتها – أن تقوم بها .. ثم قالت والدمع يسيل على خديها مدراراً : لقد قلتُ لك الحقيقة .. والله شاهد عليَّ ولك أن تصدق أو لا تصدق. قال لها (بكل غلظة): اذهبي إلى بيت أبيك .. وستصلك ورقة الطلاق في القريب العاجل !!.
ذهبت إلى بيت أبيها والحزن يلفها والغم يكاد يقتلها .. حكت لأبيها ما حدث .. كانت ثقته بابنته عوناً له على تلقي الصدمة .. هدَّأ من روعها.. بث الطمأنينة في قلبها ثم قال لها في حزم .. إن كنت مظلومة يا ابنتي فالله معك وهو ناصرك لا محالة ألم يقل ربنا : « إن الله يدافع عن الذين آمنوا» واذكري يا ابنتي أن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قد اتُّهمت في عرضها لكنها صبرت وبرأها الله من فوق سبع سموات. خرج أبوها متجهاً إلى زوج ابنته، وكله أمل أن يُنهي هذا الموضوع ويضع يده على الحقيقة الغائبة، وإغلاق هذه الصفحة السوداء.
طرق الباب.. فتح له .. ألقى عليه السلام .. ثم دخل ووضع يده على كتفه وهو يقول : لقد أخبرتني ابنتي بما حدث وأنا أعلم أن الموقف صعب ولكني أريد أن تتأكد مما سمعت .. فربما يكون الولد كاذباً .. وهذا ما أرجحه . – وما الداعي لأن يكذب .. ثم إنه طفل لايعرف الكذب. – كذلك يا ولدي زوجتك لا تعرف الخيانة .. ولابد أن في الأمر شيئاً ما. – أرجوك يا عمي لا داعي للنقاش . . كل شيء انتهى .. وابنتك ستصلها ورقتها قريباً .
خرج الرجل وحبل الأمل بداخله مقطوع .. فزوج ابنته عازم على الطلاق .. ثم قال في نفسه والمرارة تعتصر قلبه – يا ليت الأمر يقتصر على ذلك .. وإنما سيحاول زوج ابنتي أن يفضحها لينتقم لنفسه .. يومها لن أستطيع أن أواجه الناس وسيظل العار ملتصقاً بي إلى أن ألقى الله . فكر … وفكر .. حتى أتعبه التفكير .. ماذا يفعل .. هل يسكت ؟ أرشده تفكيره إلى أن يكرر المحاولة .. وهو في الطريق كان لسانه يلهج بالاستغفار .. فهو يعلم أن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق فرجاً .. ومن كل هم مخرجا. عندما اقترب من المنزل .. زادت نبضات قلبه .. تأرجح بين الأمل واليأس. – فتح له .. استغرب مجيئه .. نظر إليه قائلاً : ماذا تريد هذه المرة ؟ – أريد ألا تركب رأسك ويسيطر عليك العناد . – القضية محسومة .. ولا داعي للنقاش .. ثم فاجأه بهذا السؤال.. عمي : ماذا تفعل لوكنت في موقفي هذا ؟ صمت برهة … ثم قال : الإجابة على هذا السؤال صعبة … ولكن .. ولكن ..
– أكمل .. لماذا سكت ؟
– لم يُعِره اهتماما .. فقد كان باله مشغولاً بشيء آخر . قام من مكانه .. ذهب ناحية التلفاز .. مد يده وأخذ شريط فيديو كان موضوعاً على أحد الأرفف .. اتجه ناحية زوج ابنته ثم قال له : – اقرأ .
– رد بلا مبالاة : أقرأ ماذا ؟
– اقرأ عنوان الشريط. وما علاقة الشريط بمشكلتنا؟
– (بانفعال): قلت لك اقرأ . نظر هذه المرة إلى الشريط باهتمام .. امرأة خائنة .. لم يدعه يكمل طلب منه أن يقوم بتشغيل الشريط. قام الزوج ووضع الشريط داخل الفيديو وأدار حركته .
– بدأت أحداث الفيلم .. ومع تعاقب الأحداث .. بدأ التعجب يظهر على وجهيها .. نظر كلٌ منهما للآخر .. وقالا في وقت واحد .. ما هذا ؟ .. امرأة تخون زوجها…. ما حكاه الولد يحدث أمامهما.. نظر إلى زوج ابنته متسائلاً : أشاهد ابنك هذا الشريط ؟ – نعم .
– إذن يمكنني القول أن ابنتي بريئة .
– وكيف عرفت ذلك ؟
– ابنك عندما شاهد الفيلم ظن أن كل النساء مثل تلك المرأة التي رآها .
– أطرق رأسه .. وضع يده على جبهته .. ماذا يقول وقد ظلم زوجته وطعنها طعنة قاسية … هم الرجل بالخروج لكنه التفت ناحية الزوج قائلا : الحمد لله أن المشكلة ما زالت في مهدها وحلها في أيدينا .. ولكن أريد أن أقول لك كلمة.
– (بانكسار) تفضل يا عمي ..
– يا بُني .. أنت راع لهذا البيت ومسئول على رعيتك فلا تدخل بيتك ما يضر ولا ينفع حتى لا تكون ممن يخربون بيوتهم بأيديهم .