تقارير وتحقيقات

عائشة راتب صاحبة المعارك المتعددة لمناصرة المرأة

كتبت ا..د.نادية حجازي نعمان

 

أول استاذة في القانون الدولي بجامعة القاهرة، أول امرأة تشغل منصب سفيرة لمصر، وزيرة الشئون الاجتماعية عام 1971م، قامت بتحديد اختصاصات رئيس الدولة، ترك السادات لها مطلق الحرية طوال فترة توليها الوزارة، أول سيدة عضوة في مجلس كلية الحقوق عام 1970م.

ولدت عائشة راتب في 22 فبراير 1928م بحي الدرب الاحمر، من أم أجنبية وأب مصري ، تنتمي للطبقة المتوسطة، كانت طوال فترة دراستها من الاوائل، فحصلت علي الشهادة الثانوية من مدرسة السنية وكان ترتيبها السادس، كان تفضل قراءة كلاسيكيات الادب الانجليزي والفرنسي، دفعها ذلك للالتحاق بكلية الآداب، ولكن بعد أسبوع سحبت أوراقها للالتحاق بكلية الحقوق، حيث كان من المشهور انذاك أن كلية الحقوق يتخرج منها السياسيين والزعماء وكانت تسمي بكلية الوزراء.

تخرجت عام 1949م من ضمن العشرة الأوائل، وقرأت في الصحف أن مجلس الدولة يطلب مندوبين مساعدين، لم تتردد عائشة وقدمت للوظيفة، ومن هنا بدأت من خلال مقابلة تم سؤالها:” هل تستطيعين القيام بأعباء القضاء والحكم بين الناس ؟”، أجابت عائشة بالإيجاب.حينها احتج أحد المستشارين بقوله: إنه لا يجوز أن تعتلى امرأة منصة القضاء لتحكم في قضايا الناس. وبدأت مناقشة حامية بين عائشة وذلك المستشار المعارض في تعيينها وتمسكت عائشة برأيها بأنه قد أتيح لها العلم، فيجب أن تتاح لها نفس الفرصة التي تتاح لزملائها الاخرين.

تدخل الكثير من المستشارين في مناقشة الموضوع من النواحى الفقهية والدينية والاجتماعية، وفجأة قال أحدهم: إن المجلس إذا رفض قبول الآنسة بين موظفيه، فإن للآنسة أن ترفع قضية على مجلس الدولة أمام المجلس نفسه، وأضاف: “وإذا رفعت هذه القضية فإنها ستكون في دورتى، ومن المؤكد أنى سأحكم لها ضد المجلس لأننى مقتنع بالموضوع سلفا عن دراسة عميقة وتفكير دقيق”. وهنا أنتهي الجدال، وأخذ الحاضرون يهنئون عائشة راتب كأول آنسة مصرية تتولى القضاء. ولقد سأل عبد الرازق السنهورى-رئيس مجلس الدولة آنذاك- عن أي المستشارين يختارها للعمل معه، فتسابق لاختيارها المستشارون، وبالتحديد من يناصرون قضية المرأة. لم يكتفي المستشار المعارض بهذا القدر، فقال: الأمر لكم لكنى لا أحتمل أن أرى في مستقبل حياتنا فتاة تدرجت في مناصب القضاء حتى تصل ذات يوم إلى رئاسة محكمة النقض مثلا أو رئاسة مجلس الدولة”، فرد زميله قائلاً: “كان الواجب أن نبحث هذا قبل أن نسمح لها بدخول الجامعة، ومن ناحية أخرى يجب ألا نتناسى أنها ستكون كذلك في عصر غير العصر الذي نحن فيه”. برغم كل ذلك خرج التقرير أنها لم تقبل حيث أن المجتمع المصري مازال غير مهيأ لفكرة عمل المرأة في القضاء. وعلمت أن رئيس الوزراء حسين باشا سري رفض تعيينها لأنها امرأة، وهذا يتعارض مع تقاليد المجتمع المصري.

بدأت عائشة راتب معركتها القضائية أمام مجلس الدولة، للطعن على قرار رفض تعيينها فيه بسبب كونها امرأة، وأن وجودها في المجلس يتعارض مع تقاليد المجتمع المصري، لتخوض أول معركة قضائية دفاعا عن حق المرأة في الالتحاق بسلك القضاء، انتهت بإصدار الدكتور عبد الرزاق السنهوري حكما يؤكد فيه عدم وجود مانع دستوري أو شرعي أو قانوني، يمنع تعيين المرأة في سلك القضاء، ولكن الدولة هي التي تحدد الوقت المناسب الذي تصبح فيه المرأة قاضية.

تقول عائشة: “للحصول علي حقي انضممت إلي جمعية هدي شعراوي وكل الجمعيات المطالبة بحقوق المرأة، ولم أكتف بذلك، بل رفعت دعوي قضائية علي مجلس الدولة، وكان عمري آنذاك حوالي 21 عاما”.

بعد كل ما حدث لم تيأس عائشة واستكملت الدراسات العليا بكلية حقوق، وفي تلك الفترة تقدمت بطلب للتعيين كمعيدة، مع أن لم يسبق في الكلية في ذلك الوقت تعيين معيدات، إلا أن وعدها الدكتور حامد فهمي بالتعيين، وبالفعل أصبحت أول أستاذة للقانون الدولي بجامعة القاهرة.

سافرت الي باريس لفترة قصيرة لاستكمال دراستها، ونالت درجة في القانون عام 1955م، وبعد عودتها الي مصر اختيرت ضمن لجنة “المائة”، التي كانت مسئولة على الإشراف علي انتخابات المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي عام 1971 وكتابة الدستور ومناقشة اختصاصات رئيس الجمهورية في الدستور، وفي اللجنة المركزية طلبوا منها ترشيح نفسها، وبالفعل كانت رقم 2.

خلال انتخابها لعضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي شاركت في المؤتمر العام، وكان النقاش حول الدستور، ولأنها قانونية ذهبت لزملائها في الكلية لمناقشة مواد الدستور معهم، وجمعت آراءهم. كان النقاش خلال الجلسة حول اختصاصات رئيس الجمهورية بحضور الرئيس أنور السادات، حيث اعترضت الدكتورة عائشة على توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية، وظلت تقول “لا يجوز” و”لا يليق” وفقا لما هو مدون في محاضر الجلسة الرسمية. استمرت الجلسة ثلاث ساعات وهي متمسكة بآرائها بالرفض، فأرسل لها ورقة صغيرة مكتوبا فيها “ارحمينا يا دكتورة”.

تحكي د.عائشة راتب: “وكان الرئيس أنور السادات موجوداً في الجلسة في الطابق العلوي إذ كان يرأس اجتماعات اللجنة المركزية وقتها، وقد سمعت بعد ذلك منه شخصياً في اجتماع لجنة السياسات واللجنة الوزارية أنه قال للوزراء “إنتو عارفين أنا جبت الدكتورة عائشة وزيرة ليه؟ لأنها في اللجنة المركزية وأنا موجود جلست تناقش اختصاصات رئيس الجمهورية، فقررت تعيينها وزيرة”. وتولت منصب وزيرة الشئون الاجتماعية عام1971م براتب 235 جنيها، لتصبح ثاني امرأة تعين في الوزارة المصرية.

عندما تولت الوزارة أتخذت بعض القرارات التي لم يستطع السادات مناقشتها فيها:

-اصدرت قرار برفع قيمة رتبة عسكري الجيش من 2.5 جنيها الي 10 جنيها، بسبب ظروف حرب الاستنزاف، وانفجار المهجرين من مدن القناة، وارتفاع الاسعار، وانخفاض الدخل.

-وفي عام 1975م أقرت معاش السادات للفئات معدومة الدخل التي لا تظلها مظلة التأمينات الاجتماعية.

-اصدرت قانونا يعطي للشباب حق الحصول علي معاش حتى عمر 26عاما.

-اعطيت الحقوق للابنة المطلقة في الحصول علي معاش ابيها مرة أخري في حالة طلاقها.

-اصدرت قانون الاحوال الشخصية، الذي اعده فريق من العلماء، وكان لا يبيح الطلاق إلا امام القاضي، ولكن السادات قام بسحبه بسبب مظاهرات معارضة من طلاب الازهر ضد القانون.

-و قانون الخدمة العامة للشباب والشابات، الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية للعمل في المشروعات التنموية ومحو الامية بالقرى.

-قانون 5% الذي يفرض علي الجهات الحكومية تعيين 5% من مجمل موظفيها من المعاقين.

بسبب أحداث 18 و19 يناير 1977 قدم عدد من الوزراء استقالتهم، وكانت الدكتورة عائشة راتب من ضمنهم، بعد أن اختلفوا مع السادات في رأيه أنها انتفاضة حرامية، ومن وجهة نظرهم انها انتفاضة شعبية، فقررت تقديم استقالتها مما أغضب السادات.

كان من المتبع أن الوزير الأستاذ بالجامعة، يعود لجامعته بعد انتهاء عمله الوزاري، ولكن ظلت عائشة في البيت لمدة شهر دون أن يصدر قرار العودة للجامعة. طلب منها الكثيرون كتابة مذكراتها، لكنها رفضت قائلة: “لم أكن أريد التعرض لرجل أكرمني، واختارني للوزارة مرتين، وترك لي مطلق الحرية طوال مدة الوزارة، لأفعل ما أشاء مادمت أعتقد أنه صواب “.

عينها السادات سفيرة بوزارة الخارجية،  وتم اختيارها سفيرة بالدنمارك عام 1979م، لتصبح أول سفيرة لمصر، وبعد فترة علم السادات أن أبنائها يقيمون في ألمانيا فنقلها سفيرة بألمانيا الاتحادية عام 1981م، وتقول عن عملها كسفيرة: “كنت ثاني سفيرة عربية بعد أخت الملك الحسن، أيضاً لم أكن أول سفيرة لمصر في أوروبا فقد سبقتني إلي هذه الدول حتشبسوت ونفرتيتي ونفرتاري وهن ملكات مصريات معروفات بالاسم في هذه الدول”.

نالت جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1995م. من أهم مؤلفاتها الفرد والقانون الدولي، التنظيم الدبلوماسي والقنصلي، وغيرهم. رحلت الدكتورة عائشة راتب بعد مسيرة من النضال والنجاح والقوة في الرابع من مايو عام 2013م عن عمر يناهز الـ 85 عاما.

الخميس 18 مارس 2021

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.