أخبار العالم
المومياوات..سرقات وإهانات وإلهامات بقلم السفير اشرف عقل
يترقب العالم خلال الساعات المقبلة مشهدا تاريخيا هو نقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى بميدان التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط الذى يعد من أهم متاحف الآثار فى العالم ، وذلك يوم السبت ٣ أبريل ٢٠٢١م وسط احتفال أسطورى لن يتكرر كثيرا تنقله على الهواء أكثر من ٤٠٠ قناة تلفزيونية حول العالم ، كما يحضره عدد من كبار الشخصيات الدولية ، ويشارك فيه عدد من نجوم الفن المصريين .
يضم الموكب ٢٢ مومياء ملكية و١٧ تابوت تعود إلى عصور الأسرات ١٧ و١٨ و١٩ و٢٠ من بينها مومياء لملوك منهم رمسيس الثانى والثالث والرابع والخامس والسادس والتاسع ، وتحتمس الأول والثاني والثالث والرابع ، سقنن رع ، أحمس ، سبتاح ، مرنبتاح ، وسيتى الأول والثاني . وكذلك مومياوات لأربع ملكات هن حتشبسوت ، نفرتارى ، ميريت آمون ، والملكة تى .
وفى ضوء ماسبق ، وجدت أنه من المهم القاء الضوء على موضوع المومياوات فى مصر القديمة بصفة عامة ، والملكية منها بصفة خاصة ، لعل وعسى أن أوفق فى سبر أغوار هذا الموضوع المهم من ناحية ، واشباع ظمأ البعض وتعطشه لمعرفة كنهه من ناحية أخرى . . . وعلى الله قصد السبيل .
( المومياء Mummies ) .
* يعد تحنيط الموتى من الأسرار الغامضة والمحيرة التى اشتهرت بها مصر القديمة ، وهنا يثور التساؤل : لماذا بذل مثل هذا المجهود لحفظ الأجسام التى خرجت منها الروح لآلاف السنين ؟ السبب هو أن المصريين القدماء لم يكونوا يعتقدون أن الموت هو النهاية ، وإنما هو رحلة خطرة تتناثر خلالها شتى العناصر المكونة للشخص الحى ، بينما يحتفظ كل منها بتكامله الفردى ، فإذا أمكن إعادة اتحادها ووضعها فى الجسم مرة ثانية ، أمكنه أن يحيا حياة جديدة مشابهة جدا للحياة التى قضاها على الأرض .
* ومع ذلك ، فإنه لتحقيق هذه النتيجة ، يجب حفظ الجسم الذى هو أضعف كل هذه العناصر وأكثرها عطبا ، فإذا ترك الجسم ليتعفن ، ضاع كل أمل فى اتحاد القوى الحيوية وهيكلها الجسدى فى العالم الآخر ، فيحكم على الروح بأن تظل تبحث عبثا وإلى الأبد عن جسم لم يعد له وجود .
* لقد كانت المومياوات موضوع خيال ومداعبات كثير من مشاهير الكتاب . فهذه قصص ” إدجار ألان بو ” الخيالية التى تجعل المومياوات القديمة تعود مرة أخرى إلى الحياة ، وحكايات ” تيوفيل جوتييه ” المثيرة عن المومياء الجميلة لتاهوسر الحسناء ، والأميرة الفاتنة إيتا التى ستتجرد من معناها وروح الإثارة عندما تعرف كم يفقد الجسم عند حفظه طيلة كل تلك القرون ، غير أن تقاطيع الوجه وملامحه لاتزال محتفظة بطابعها الأصلى .
* ومهما يبدو من عدم جدوى تلك الجهود التى بذلت لحفظ أجسام معينة إلى الأبد ، فإنه من الممتع أن نلقى نظرة على وجوه ملوك الدولة الحديثة العظام : تحتمس الثالث ، رمسيس العظيم ، ومرنبتاح ، فيتعرف عليهم بعد فترة نوم لمدة ٣٠ قرنا ، وبعد أن نقرأ عن تاريخهم وأعمالهم العظيمة .
* حدثت فى عصر رمسيس التاسع ” حوالى سنة ١١٠٠ ق.م ” سلسلة من التحقيقات والمحاكمات أثارت كثيرا من الهياج فى مدينة طيبة ، وشملت أفراد عصابات من علية القوم الذين كانت لهم صلة بهيئة كهنة الضفة الغربية للنيل ، أولئك الذين نظموا سرقة مقابر ملوك عصر الاضطراب الثانى .
* وتعقدت المسألة بتنافس اثنين من كبار الموظفين المشرفين على الضفة الغربية وتلك الشرقية أيضا ، فاعترف بعض المتهمين بجرائمهم ، وقرر المحققون الذين أرسلوا لفحص حالة المقابر ، على الفور ، أن كل شيء على ماهو عليه ، وذلك على عكس جميع الاحتمالات . ورغم هذا فقد بدأ النهب من جديد فى المقابر الخاصة بوادي الملوك .
* فحصت الجبانة فى عهد الملوك الكهنة ، وأعيدت المومياوات المشوهة والمسروقة ، ثم نقلت من مخبأ إلى مخبأ ، حتى وضعت فى مقبرة أمنحوتب الثانى الصخرية ، وجمعت مومياوات أخرى بسرعة ووضعت فى مقبرة كبيرة نحتت من قبل فى الصخرة الغربية على مسافة قريبة من الدير البحرى ، فوضعت مومياوات الملوك العظام تحتمس الثالث وسيتى الأول وأمنحوتب الأول جنبا إلى جنب فى كهف سرى تحت الأرض ، فاشتركوا معا فى مصيرهم المحتوم مدة ثلاثة آلاف عام .
* ولو أن هذه المومياوات الملكية وما وضع معها من كنوز قد نجت من عبث اللصوص إبان الأسرة العشرين ، فلا شك فى أن عبثا بالغ القدم قد أقلق بال خلفائهم بعد أزمنة طويلة ، دون أن يفطنوا إليه ، وفى الفترة من ٥ يوليو حتى ١١ يوليو ١٨٨١م زار موظفو مصلحة الآثار المصرية مخبئا سريا وأخرجوا الآثار المسروقة منه ونقلوها إلى الأقصر حيث أسرعت سفينة المتحف بالمجيء لحملها متجهة إلى ميناء بولاق ، ثم حدث شيء غريب بين الأقصر وقفط على ضفتى النيل كلتيهما ، إذ تبعت العديد من النساء السفينة وقد شعثن شعورهن وأطلقن صيحات الحزن ، وأطلق الرجال البنادق ، كما لو كانت جنازة . . وهو ما دونه العالم الفرنسى جاستن ماسبيرو أحد أشهر علماء المصريات فى العالم .
* غير أن هناك مفاجأة أخرى كانت فى انتظار المومياوات الملكية عند أبواب القاهرة حيث رفض موظف الجمرك إدخالها إلا بعد سداد الضريبة المقررة ، وبعد البحث فى السجلات عن نوع الضريبة الصحيحة التى يمكن تطبيقها على هذه الواردات غير المنتظرة ، لم يستطع العثور على ما كان ينشده ، فطبق على الملوك أسلافه ، الضريبة التى تراءت له مناسبة ، وهى ضريبة الأسماك المجففة ! وهذه إهانة أخيرة من الإنسان كثير النسيان
المرجع : مصادر متعددة