كتب إبراهيم عوف
عقدت وحدة الدراسات الإعلامية بالمعهد العالمي للتجديد العربي مؤخرًا ، حلقة نقاشية تحت عنوان: الإعلام ومفهوم العروبة “بين الخطاب والواقع”، أدارتها الدكتورة حنان يوسف رئيسة وحدة الدراسات الإعلامية بالمعهد، بمشاركة نخبة من خبراء الإعلام والفكر والثقافة بالوطن العربي من داخل المعهد وخارجه.
وقد قدم المشاركون خلال هذه الحلقة مجموعة من المداخلات القيمة تضمنت أفكارا تجديدية حول العروبة وعلاقتها بالإعلام، وكانت البداية مع الدكتور خضير المرشدي رئيس المعهد الذي افتتح النقاش بورقة بحثية غنية بعنوان : العروبة ، فكرة وهوية … قَدَرٌ ورسالة، وصفها المشاركون بالمداخلة القوية التي “كفت ووفت” وقاربت الإشكالية المطروحة من مختلف زواياها.
استهل رئيس المعهد حديثه، بتقديم تعريف عام للعروبة باعتبارها “هي الإيمان بأن الشعب العربي شعب واحد تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، وللعروبة محتوى قد أخذ معاني عديدة تتغّرْ بتغيّر الزمان والمكان والظروف . ففي التاريخ القديم كان العرب يفتخرون بجنسهم من خلال الشعر العربي ويتغنًّون بهذا النسب وفق افتراضات ذلك التاريخ وتجلياته سلبية كانت أم إيجابية . وفي العصر الوسيط عصر الديانات السماوية ومنها الإسلام تجسدت القومية بشعور العرب بأنهم أمة متميزة ضمن الدين الجديد كونهم من حملته الأوائل إلى البشرية والمدافعين عن عقيدته وشريعته والمشيّدين لحضارته مع من اختلط معهم من الأقوام الاخرى ، وزاد هذا الشعور خلال العهد الأموي تحديداً وكذلك العصر العباسي الاول . أما في العصر الحديث والمعاصر ، فقد اخذت فكرة العروبة طابعاً روحياً أحياناً من خلال ظهور بعض مفكري النشأة في القرن العشرين ، وآيديولوجياً في أحيان اخرى تجسد بظهور تيارات وحركات بنت فكرتها واستراتيجيتها على أساس فكرة العروبة ومنها التيار البعثي وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية وهم الذين كانوا الأكثر شيوعاً في الوطن العربي خصوصاً في الفترة الممتدة من أواسط القرن العشرين وحتى إحتلال العراق . ولقد تميزت هذه الفترة بقيام الوحدة بين مصر وسورية وإنبثاق الجمهورية العربية المتحدة ، كما شهدت محاولات وحدوية أخرى كتب لأغلبها الفشل لظروف ذاتية وأخرى موضوعية” .
وأضاف الدكتور خضير أن ” القومية العربية اكتسبت مفهوماً جديداً بعدما ظهرت ماتسمى ( ثورات الربيع العربي ) ، وبروز حركات مناهضة ومعادية للتيار العربي ومفهوم العروبة بشكل عام ، وسلط الضوء على ما جاء به مجموعة من المفكرين كعبد الرحمن الكواكبي و عبد اللّطيف شرارة و ساطع الحصري و قسطنطين زريق، وميشيل عفلق، كما تطرق إلى مفهوم العروبة لدى الناصرية التي تعتبرها حركة نضاليّة في مواجهة الاستعمار، فهي على ما يرى الرئيس عبد النّاصر ضرورة استراتيجيّة، لأنّها تحمينا من العدوان وأطماع الطّامعين ، هي عدّتنا حتّـى نثبت حرّيّتنا ، هي سلاح كلّ عربيّ حتّى لا يتكرّر ما فات ، هي درع لكلّ مواطن عربيّ وكلّ بلد عربيّ ، حتّى يستطيع أن يحافظ على حرّيّته ، وهي سلاحنا الرّئيسيّ في معركتنا ضدّ الصّهيونيّة والاستعمار .
وأضاف الدكتور خضير قائلا: علينا أن نعلم أن القومية العربية بديهية في حياتنا وخالدة كونها تمثل هوية ورابطة وانتماء وثقافة وتاريخ ومصالح وإرادات مشتركة وقيم انسانية ، وهي بحاجة إلى محتوى فكري وثقافي وعلمي جديد يستجيب لمتطلبات الحاضر ويلّبي حاجات المستقبل… ولعل هذا المفهوم وبهذا المحتوى هو الذي يتبنّاه المعهد العالمي للتجديد العربي في بناء فكر عربي حديث يستلهم قيم الحضارة الانسانية، ويستوعب مشاكل الحاضر ويواكب التطورات العالمية… و يعتبر أن الواقع العربي بكل منظوماته الفكرية وبكافة سلبياته وإيجابيته الراهنة وفي كل الدول العربية هو المحتوى الراهن للعروبة، وهو ساحة عمل المعهد في التجديد وبناء منظومة فكرية عربية حديثة ، هذا الواقع لايمكن أن يكون بديلاً عن حقيقة العروبة وخلودها، لأنها أغنى من جميع المراحل التي عاشتها في التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر الذي نعيشه الان ويسعى المعهد لتجديده .
واختتم قوله بأن العروبة لا تزول بإرادة من يحاول إزالتها ، لكنها لا تستمر ولا تتحقق تحققا كاملا بدون إرادة المؤمنين بها والمتمسكين بمصالحها العليا . أي ان فيها امكانيات التفسخ والتناثر والاندثار، مثلما فيها إمكانيات الوحدة والارتقاء والتجديد. فالعروبة المؤمنة ليست حالة نضال مرحلية، أو شعار لمرحلة تنتهي بانتهاء النضال او إنتفاء دواعيه، ليعود كل منّا بعد ذلك لشخصيته المجردة، بل إنها هوية ومرجعية لوطن عربي كبير يشكل العرب أكثر من ٩٠ ٪ من سكانه وقواه البشرية .
والحقيقة الأكثر ملاءمة اليوم للإرتقاء بالعروبة مفهوماً ومحتوىً ومضمونا –حسب رئيس المعهد- هي بتحقيق وحدة المصالح العربية العليا، وبانسجام الإرادات المشتركة لفئات الشعب ضمن الوطن العربي الكبير مهما كان حجم وعدد هذه الفئات، وأن العروبة الإنسانية المتفتحة والمنسجمة مع نفسها ومع الاخر والمنبعثة من جديد وفق قيم العصر وتطوراته، والمستندة لتشريعات وقوانين حديثة، ستكون هي الضامنة لهذه المصالح والمحققة لهذه الإرادات وفق مبدأ المواطنة العربية التي يسعى المعهد العالمي للتجديد العربي لتحقيقها كأحد أركان مشروع المستقبل الذي يسعى لبنائه، والذي يمثل بناء مجتمع المعرفة الحديث ركنه الثاني.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحلقة النقاشية أثارت العديد من النقاط من بينها واقع العروبة في الإعلام العربي وتركيز هذا الأخير على الطائفية الدينية والعرقية، وأيضا ضرورة إيمان المواطن بوطنيته والتركيز على مفهوم العروبة في المناهج التعليمية والوسائل الإعلامية، فيما خلصت كل المداخلات إلى أن العروبة هي واقع حتمي يفرض نفسه وخير مثال على ذلك المجهودات التي يقوم بها المعهد العالمي للتجديد العربي في هذا المجال.