أراء وقراءات

توازن الرعب ضد اسرائيل أهم دروس انتصار غزة

بقلم / الدكتور محمد النجار

لاتمتلك غزة نفطا ، ولا ذهبا ، ولا ناطحات سحاب، ولا قصورا ، بل هي أفقر منطقة  مُحاصرة في العالم ،  ولايمتلك رئيسها إسماعيل هنية طائرة خاصة ، ولا يمتلك قائدها أبو ضيف الذي أرعب العدو الصهيوني يختاً ولا قصورا ، ولم يتدرب هو  وقادة مقاومتها  في الكليات الحربية البريطانية أو الامريكية ، بل كل منهم يعرف أنه مشروع شهيد قريب ، ولم تُجرب صواريخها في صحراء نيفادا أو المحيط الأطلسي ، وليس لهم طائرات أو مطارات حربية ، ولا تمتلك أسلحة نووية  ، ومع ذلك أذاقت العدو الصهيوني مرارة الهزيمة ولم يستطع التقدم مترا واحدا في أراضيها المُحاصرة من كل الجهات ، ومع ذلك حققت أعظم نصر في تاريخ الأمة الحديث فتح باب الأمل لدى الشعوب العربية والإسلامية في تحرير فلسطين من البحر الى النهر وتحرير مقدساتها من أيدي الصهاينة الغاصبين.

ولا أنسى في شهر رمضان وبالتحديد يوم 11-05-2021م الإنذار الذي اطلقته المقاومة في غزة ضد اسرائيل بإطلاق المحتجزين في المسجد الاقصى ، ورضوخ الاحتلال الصهيوني لهذا الإنذار والإفراج عن المحتجزين.

واإسلاماه .. صيحة حي الشيخ جراح

لقد رآى العالم كله الجبروت الصهيوني في حي الشيخ جراح الذي يمثل رئة المسجد الأقصى ، فاستجابت غزة لتلك الصيحة الحزينة ، فانطلقت صواريخها  على اسرائيل الصهيونية استجابة لصرخة استغاثة الفلسطينيين في القدس  في حي الشيخ جراح  عندما إعتدى عليهم المتطرفون الصهاينة بحماية بنادق وأسلحة الشرطة الصهيونية لإجبارهم على خروجهم من بيوتهم وممتلكاتهم واحتلالها بقوة السلاح كما هي عادة تلك العصابات الصهيوينة المجرمة منذ عام 1948م ، وعلى إثرها إندلعت المواجهات بين غزة الأبية واسرائيل الصهيونية المحتلة ، ومشاهد  المواجهات يراها العالم على الفضائيات مباشرة ، وكيف وصلت صواريخ غزة المُحاصرة الى قلب تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني الذي يدعمه العالم كله بما فيه بعض الدول العربية.

 تكلفة صاروخ غزة

قال خبير الصواريخ الاسرائيلي “عوزي روبين” الذي يُعتبر أحد آباء الدفاع الصاروخي الإسرائيلي لصحيفة “جيروزليم بوست” الاسرائيلية  : إن صواريخ حماس غير مُكلفة.

وحسب موقع “سبوتنيك sputnik” بتاريخ 17مايو2021م ، فإن تكلفة صاروخ حماس قصير المدى ما بين ((300)) دولار و((800)) دولار. أما الصاروخ الطويل المدى تكلفته  على أقصى تقدير لاتزيد عن ((2400))دولار، وذلك حسب تقدير “تال عنبار”  الرئيس السابق لمركز أبحاث الفضاء التابع لمعهد فيشر.

 تكلفة صاروخ  قبة اسرائيل الحديدية

حسب تقدير “تال عنبار” فإن تكلفة صاروخ القبة الحديدية مابين 50 ألف و100 ألف دولار لكل صاروخ ، ولا زال غير قريب على الإطلاق من تكلفة صواريخ غزة.

كم صاروخ اطلقتها غزة على اسرائيل؟

وحسب بي بي سي عربي بتاريخ 20مايو2021م، قال  جيش الإحتلال الإسرائيلي : إن ((4.000)) صاروخ قد أُطلقت من غزة على كل اسرائيل ، وأن بعضها قد اعترضته القبة الحديدية بينما سقط البعض الآخر على المدن الاسرائيلية.

ترسانة حماس من الصواريخ والاسلحة

وحسب موقع (arabic.euronews) بتاريخ 17مايو2021م فإن الاستخبارات الإسرائيلية قدرت  ترسانة حماس وحدها دون الفصائل الأخرى بعدد((30)) ألف صاروخ ولكن هذه المعطيات غير رسمية طبعاً، إلا أن حركة حماس لم تكشف الكثير من المعلومات حول ترسانتها.

ويقول “ديفيد خلفة” في نيويورك تايمز: إن حماس تصنع أكثرية صواريخها في داخل غزة ، وتختبر دقتها  بطريقة دائمة ، وتعمل على زيادة حمولتها من المتفجرات.

وأصدرت كتائب القسام بياناً قالت فيه : أنها أُدخلت إلى الخدمة طائرات مُسيرة انتحارية من طراز”شهاب” محلية الصنع.  وهذه كانت من مفاجآت الإنتاج العسكري للمقاومة في غزة  والتي لم تُفصح عنها ضمن تطويرها لمنظومتها العسكرية.

وقد أعلن المتحدث باسم حماس أن الفصائل في القطاع “جهزت نفسها لقصف تل أبيب ستة أشهر متواصلة”.

فشل القبة الحديدية أمام صواريخ غزة

لقد رأى العالم كله مدى الخوف والرعب  والهلع الذي دب في قلوب الصهاينة الجبناء – في تل أبيب وكل المدن نتيجة صواريخ غزة  التي نزلت على رؤوسهم .

فحسب موقع (arabic.euronews) فإن البيانات الرسمية للجيش الإسرائيلي، اعترفت إن القبة الحديدية دمّرت فقط أقل من نصف الصواريخ أطلقتها حماس والجهاد الإسلامي.

ويقول الخبراء إن الفصائل الفلسطينية أدركت الثغرات في نظام القبة الحديدية  الإسرائيلي. ولذا فإن الفصائل تقوم بعمليات إطلاق صواريخ جماعية، وفي عدة اتجاهات، حيث يعجز النظام الدفاعي الإسرائيلي عن صدّها كلها.

انتصار غزة وهزيمة اسرائيل

تعتمد قياسات النصر على هزيمة  جيوش الخصم ، واستسلام قادتها ، وتغيير الواقع على الأرض ، وكسر إرادة الشعوب واحتلال أراضيهم ؟

فهل حققت اسرائيل أي من تلك النتائج؟

والحقيقة التي شهدها العالم كله أن اسرائيل لم تحقق أيا من تلك النتائج ،  بل لم يستطع الجيش الصهيوني بكل مقدراته العسكرية وطائراته وأسلحته وإمكانياته البرية والجوية والبحرية أن يتقدم شبراً واحدا في أرض غزة ، وإنما العكس فقد استطاعت غزة أن تكسب مئات الكيلومترات داخل اسرائيل وصلت إليها صواريخها وطائراتها المُسيرة لأول مرة ، والتي أرعبت جنودها وسكانها وأغلقت مطاراتها وحبست سكانها في الملاجئ وتوقفت كل مظاهر الحياة تقريبا .

فقد قصفت صواريخ غزة أهدافا اسرائيلية استراتيجية لم تصلها من قبل. قصفت مطار بن جوريون في تل أبيب ، ومبنى المخابرات الإسرائيلي ، كما قصفت منصة الغاز في البحر المتوسط بالطائرات المُسيرة طراز شهاب “المصنوعة داخل غزة نفسها”. ووصلت صواريخها الى مطار ريمون على بعد 250كيلومتر قرب إيلات والتي نقلت إليه اسرائيل مهبط طائراتها بعد قصف مطار بن جوريون ..  وكثير من الاهداف الاستراتيجية.

ولم تستطع  اسرائيل كسر إرادة شعب غزة العظيم ، بل خرج شعبها بكل فئاته العمرية  رغم كثرة شهدائهم ونزف دمائهم وهدم بيوتهم فَرِحاً متهللا  منتصرا خلف قيادته الباسلة واحتضنوا  جنود وقادة مقاومتهم الأشاوس الذين هزموا  بصواريخهم المُزلزلة  كيان العدو الصهيوني.

اعتراف الطيارين الصهاينة بالهزيمة

والإعتراف عندما يأتي من ضباط العدو أنفسهم لا يقبل الشك والمجادلة ، ففي حوار أجرته القناة (12) الإسرائيلية مع الطيارين الذين قاموا  بنسف التسع ((9)) أبراج السكنية في غزة، بما فيها القنوات الإعلامية العالمية ، قال الطيار الاسرائيلي الذي  اكتفت القناة بالإشارة إلى الحرف الأول من اسمه ((د)) برتبة رائد، قال :

“كنت أخرج بطائرتي الحربية  لشن الغارة على غزة  مع إحساس أن إسقاط الأبراج أصبح طريقنا للتنفيس عن الإحباط مما يحدث لنا ومن نجاح الفصائل في غزة في الاستمرار بركلنا” .  واستطرد قائلا : لم ننجح في وقف إطلاق الصواريخ، ولم ننجح في المساس بقيادة التنظيمات الإرهابية لذلك نقصف و نُسقط الأبراج”.

وأكد طيار حربي إسرائيلي  آخر :  أن تدمير الأبراج السكنية خلال الهجوم على قطاع غزة كان “طريقا للتنفيس عن إحباط الجيش بعد فشله …

بقاء حماس والمقاومة في غزة

في نظر الخبراء العسكريين ، يعتمد البقاء الوجودي لحماس والمقاومة الفلسطينية  وغزة  في الإعتماد الكامل على نفسها ، وإمكانياتها البشرية والمادية ، والإعتماد على قدرات وكفاءات أبنائها العلمية والعملية  في إنتاج وتطوير أسلحتها وصواريخها وطائراتها محليا  ، وكتمان أسرارها العسكرية ، وعدم الإعتماد على الدول الغربية التي تمنع أسلحتها الفعالة واسراراها العسكرية  عن العالم العربي والإسلامي بينما تمنح إسرائيل كل الأسلحة المتطورة التي تضمن لها تفوقها العسكري في ردع كافة الدول العربية والاسلامية.

وأظهرت حرب غزة  مدى إلتفاف الشعوب العربية والاسلامي  حول غزة واستعدادهم لللتضحية من أجله وذلك عندما رأوا بطولة وتضحيات قادة غزة وشعبها ، وهذه الالتفاتة الهامة لتلك الشعوب تخيف اسرائيل ومن ورائها ، وحتما سيأتي يوم تنطلق فيه هذه الشعوب وقادتهم لتحرير المسجد الأقصى ، وعسى أن يكون قريبا ..

﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ آل عمران139

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ غافر51

﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الروم47

والله غالب على أمره

 

دكتور محمد النجار 26-05-2021م
الخميس 15شوال1442هـ
الموافق 27 مايو 2021

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.