التاريخ و الهوية
بقلم / احمد يسري جوهر
نجا الله سيدنا نوح عليه السلام ومن ءامنوا به من الطوفان إلا انهمتفرقوا في الارض ، و منهم أبنائه سام و حام و يافث ، و كان لكل منهم ذرية لما سكن و استقر ، و الحقيقة ان لكل منهم صفات مختلفة عن بعضهم ، و يبقوا انهم جميعا ابناء عمومة نسبا لأبيهم سيدنا نوح عليه السلام ، و كانت البلد التي سكنها كل منهم لها صفات جغرافية مختلفة عن بلد أخيه .
و استقر الأمر لكل ذرية في المنطقة التي تناسلت عليها ،
و زادت اعدادهم و كانت لهم السيادة و الحكم فيها و امتلاك الاراضي فيها .
هذه الاسباب الثلاثة : السكن باقاليم متباعدة ، و التكاثر و السيادة هم سبب نشأة الأوطان التي يميز كل منها سكان و سلطة و منطقة جغرافيا تختلف عن الوطن الآخر ، كان قريبا او بعيدا ، و لما تكاثر السكان و قبضت السلطة يدها على الحكم ، و تمكن الحكم من منطقة ما : حق لثلاثة مجتمعين و فقا لاتفاقية مونتفيديو الدولية عام ١٩٣٣ ان يأسسوا دولة رسمية لها علم خاص بها ، و لا يحق لأحد من الكيانات المجاورة لها التدخل في شأنها .
و عليه فإن الدولة شكل الحياة لهذه الأجزاء الثلاثة من بعد قيامها ، شكلا تتناوله المؤلفات و الأبحاث و الأعمال الفنية . و لكن الفترة الزمنية ما بين الطوفان و اتفاقية مونتفديو ليست بقصيرة ، و قد كان ان كل ممن سكنوا منطقة ما بينها و بين الأخرى محيطات او مسافات شاسعة : كل منهم اعتقد في امور مختلفة عما اعتقد فيه سكان ابناء عمومته او احفاد عمومته .
و مع طول الزمان و تباعد المسافات فهذه الدول التي قامت لاحقا لم تكن – رغم توحيد شكل الاعتراف بها – تضم سكان ينتمون لعقيدة واحدة إلا داخل كل كيان ، بما في هذه العقيدة بشكل أساسي و محوري اولا : درجة الحرية التي يرى الساكن انها حقا له حيث ولد ، حقا لا ينفصل ، و ثانيا: أين تتقاطع الحرية مع حرية الآخرين بأمان و أين انفصالها لا يقبل المساومة او التفاوض ، و جدير بوقفة للمطالبة لرد ما سلب منه .
في الفترة قبيل نشأة الدول رسميا كانت تتناوب على كل أرض سلطة تمارس الحكم ، قد تكون سلطة لرجل دين يمثل كنيسة او جماعة دينية له مقامه و لا ينتظر وعظ احد ، او لحاكم عسكري له نفوذه و هيمنته و لن ينتظر سطوة اجنبي على وطنه ، او لشعب استطاع تحديد من يقوم بالعدل و بسط الاستقرار .وعليه فالسيادة نفسها كركيزة لتقوم الدولة لها اسباب مختلفة من منطقة لأخرى و من زمن لآخر .
و مع توالي الأزمنة و تعاقب الحكام استقر قبل قيام كل دولة في اقليمها قدرا من الحريات بكل منطقة ، حريات أخذت وضع المسلمات ، و لا يقبل احد او مجموعة او كيان ما التعدي عليها ، فهي جزء من ثقافته و مجتمعه ، و اذا اشترك احد معه فيها ، فهي مشاركة منظمة و لها تشريعاتها و اماكنها و اوقاتها ، لئلا تعم الفوضى . و اطمئن مواطني كل منطقة على طبائع مختلفة من الحريات ، ثم اسسوا دولا لها أعلام و نظام حكم يشترط على من سيتولى الحكم الموافقة عليه و التأكيد على الموافقة بممارسته .
و اختلفت نظم الحكم بكل منطقة لتعكس طبيعة هذه الحريات و حدودها ، فالنظام الملكي يؤكد على سيادة مالك الاراضي و المقاطعات ، و النظام الجمهوري يؤكد تولي الأعداد الاكبر ، و ليس ثمة علاقة بين الحاكم القادم للبلاد و قدر ما يملك او يرث ، فالملك يملك حكومتهم تحكم ، و نظاما برلمانيا يختار فيه المواطنين من يمثلوهم ثم يختار ممثلوهم من يتخذ القرار و إن ملك شخص ما الأملاك الأكبر و الأوسع ،
و نظاما رئاسيا تختار فيه الجماهير حاكمها مباشرة بدون مرحلة وسطى و التي هي وضع الثقة فيمن يختارون الحاكم في حالة النظام البرلماني .
ناضلت الشعوب لتنظم علاقتها بحكامها و منهم شعوبا نجحت و أخرى فشلت ، ففضلت شعوب حاكما مالكا غنيا ، حيث الجود العطاء شرطا كافيا لحكمه ، و فضلت شعوب اخرى من يبني و يعمر و يوظف بدون شرط كثرة املاكه ، و فضلت شعوب حاكما عادلا يساوي بين الناس في الفرص : كل الفرص ، فوجود فرصة العمل اللائقة هو الشرط الكافي .
فجسد شعبا هوية تعظم الغنى ، و جسد آخر هوية تجسد حب العمران ، و جسد الأخير هوية تقدس العدل ! !
الجمعة 22 اكتوبر ٢٠٢١