لماذا أسْلَمْت؟حلقة(6).. إسلام الأسير ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ

  ، بقلم / الدكتور محمد النجار

بعد أن استقر الإسلام وأصبح للمسلمين دولة بقيادة النبي ﷺ ، وذلك بعض خوض العديد من الغزوات والسرايا التي اظهرت قوة المسلمين، أراد النبي ﷺ أن يوسع دائرة الإسلام وينشره ، فقرر إرسال الرسائل الى الملوك والأمراء داخل الجزيرة العربية  وخارجها ، لإبلاغهم بدعوة الإسلام . وقد حملت تلك الرسائل حرص النبيﷺعلى إسلام هؤلاء الأمراء والملوك، وإبلاغ دعوة الإسلام إليهم .

وقد أرسل النبي ﷺ رسالة الى ملك اليمامة  “ثمامة بن أُثال” ، فهو “أبو أمامة” من وجهاء العرب  المرموقين و ساداتهم وشاعر في قومه ولا يُعصى له أمر ، يدعوه فيها إلى الإسلام .

رسائل النبي للأمراء والملوك خالية من التهديد

ولم تحمل رسائله ﷺ تهديدا، بل تضمنت في ثناياها طمأنتهم على ملكهم، “أن أسلموا أو هادنوا”.

  1. ففي رسالته إلى المنذر بن الحارث صاحب دمشق جاء فيها كما قال الواقدي : (( سلامٌ على من اتبع الهدى وآمن به، وأدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى ملكك)).
  2. وفي رسالته إلى المنذر بن ساوي حاكم البحرين، قال له : ((أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وأَجْعَلْ لك ما تحت يدك )).
  3. وفي رسالته إلى جيفر وأخيه ملك عمان : (( فإنَّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُما بالإسلامِ وَلَّيْتُكَما)) .

إزْدِرَاءُ ثمامةَ لرسالةِ النبي ومحاولة قتله

تلقى ثمامة رسالة النبي ﷺ  بقبولٍ غير حسنٍ ، وأخذته العزة بالإثم ، وازدرى رسالة النبي  ، ورفض ان تستمع أذنيه لدعوة الحق والصلاح ، واستمع لنداء الشيطان الذي أغراه بقتل النبي ﷺ ، وتحين الفرصة لقتل النبي لولا أن أحد أعمامه أثناه عن ارتكاب تلك الجريمة في آخر لحظة محذرا إياه بأن أصحاب محمد لن يتركوا دمه من أي قاتل مجرم يَجْرُئ على مسِ محمد بسوء .

ثُمَامَةُ يتربص بصحابة النبي لقتلهم

وإذا كان ثمامة قد  كفْ عن قتل النبي ﷺ ، فإنه لم يكفْ عن إيذاء صحابته وقتلهم ، وظل يتربص بهم حتى قَتَلَ عدداً منهم شر قتلة ، مما حدى بالنبي ﷺ إلى إهدار دمه جزاء جرائمه الشنعاء وإعتداءه  وقتله صحابته ، وقد أعلن النبي ذلك أمام صحابته رضوان الله عليهم.

القبض على ثمامة بن أثال

لم يمض وقت طويل حتى  أرسل النبي ﷺ في شهر المحرم من العام السادس الهجري- سرية من المسلمين إلى بني بكر في نجد “سرية نجد ” ، فهرب بنو بكر خوفًا من المسلمين، وتركوا أنعامهم وإبلهم، فأخذها المسلمون، وبينما المسلمون عائدون  من نجد ، وجدوا أمامهم رجلاً  ، فقبضوا عليه – دون أن يعرفوه- وجاؤوا به إلى المدينة ليراه النبي ﷺ ويقضي فيه ما يشاء.

فلما رآه النبي ﷺ قال لأصحابه: أتدرون من أسرتم؟ هذا ثمامةُ بن أثال سيد بني حنيفة.  ثمَّ قال: أربطوه في سارية من سواري المسجد وأكرموه.

ورجع رسول الله ﷺ إلى أهله، فقال لهم :

“اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ ” .. وقد أمر – صلوات الله وسلامه عليه – بِلِقْحَتِهِ – أي ناقته – أَنْ يشرب ثمامة من حليبها.

وَأَمَرَ بِدَابِةِ ثُمامة أنْ تُعلف ويُعتنى بها وتُعرض أمامه في الصباح والمساء.

فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندك يا ثُمامةُ؟ أي ما تظن أني فاعل بك؟

قَالَ عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ –أي سينتقم لي قومي منك -،وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فتركه النبي حتى كان الغد.

قال أبو هريرة  فجعلنا نحن المساكين نقول : مانصنع بدم ثُمامة؟ والله لأكلةٌ من جَزُورٍ سمينةٍ من فدائهِ أحبُ إلينا من دمِه  .

وجاءه النبي في اليوم الثاني ، فسأله: ” مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ “. ؟ فقال: عندي ما قلت لك، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال ، فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

معنى وإن تنعم تُنعم على شاكر:

إن تحسن إليَّ بالعفوِ عني، فالعفوُ من شيمِ الكرام، ولن يضيعَ معروفك عندي؛ لأنك أنعمت على كريمٍ يحفظُ الجميل، ولا ينسى المعروف أبداً

أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ

مَرَ النبي ﷺ في اليوم الثالث، فقال: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فقال: عندي ما قلت لك.

فلما رأى النبي ﷺ أنه لا رغبة له في الإسلام وقد رأى صلاة المسلمين، وسمع حديثهم، ورأى كرمهم ، ولازال النبي – صلى الله عليه وسلم – يتودد إليه ، ويدعوه إلى الإسلام ، ثم أصدر حُكمَه  بإطلاق صراح ثمامة ، فقال : ” أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ” .

فَأَطْلقوا صراحَه ، وأعطوه دابتَه، وودعوه.

انطلاق ثمامة نحو البقيع

لقد كتمَ ثمامةُ شيئا في صدره ، وأبت نفسه أن تفصح عنه وهو أسير لا يملك حريته ، ولا ترضى نفسه الأبية أن يفعل شيئا وهو مضغوط مقهور.

فما أن حصل ثمامة على حريته بعد أن أطلق الرسول صراحه أن يعود الى أهله ، إنما إنطلقَ الى نخل ٍقريب من البقيع ، فاغتسل  وتطهر  .

وانطلق مهرولاً  بحريته نحو  مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثمامةُ بين يَدِيِ ينطقُ بالشهادتين

صدقت فراسة النبي ﷺ  في نظرته الأولى إلى “ثمامة”، وقد أثمر تعامَله الحسن في نفس ثمامة الطيبة.  وما هي إلا دقائق معدودة حتى دخل ثمامة المسجد مسرعا باحثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليقف بين يديه بحب وخشوع وإجلال ينطق أعظم كلمات في التاريخ الإنساني:

 ” أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ”.

ثمامةُ يعتذرُ بحبٍ  للنبي

وقف ثمامة أمام النبي ﷺ والحب يملأ صدره ليعترف ويعتذر له ، ويُعبّر – رضي الله عنه- عن شعوره نحو النبي ﷺ  ، ونحو دينه الحنيف، ونحو بلده الحبيب المدينة النبوية، فقال:

“يَا مُحَمَّدُ..وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَىَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَت بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ كُلِّهَا إِلَىَّ  .

هكذا عاطفة الإيمان عندما تخالط بشاشته قلوب المؤمنين، لقد تحولت الكراهية إلى محبة تملأ القلب ولا تعدلها أي محبة إنسانية أخرى.

حقا .. إنها  فِراسة النبي ورحمته التي ألانت قلوب الأعرابِ الغلاظ الشداد، ، فتحول كفرهم إلى إيمان ، وتحولت قسوتهم إلى رحمة ومحبة وإطمئنان ، فأثمرت صحابياً وفياً صادقا  أبا أمامة، ثمامة بن أثال، سيد بني حنيفة، وملك اليمامة رضي الله عنه.

((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) آل عمران1٥9

وصدق رسول الله ﷺ: ((خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلَامِ إذَا فَقُهُوا))   رواه البخاري

ولله در القائل:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا

فقد قابل إحسان النبي وتكريمه لثمامة بصدق ثمامة وإخلاصه ووفاءه للنبي ﷺ.

فالكريم يقابل الإحسان بالإحسان، والمعروف بالوفاء والامتنان، مصداقاً لقول الرحمن الرحيم المنان: ((هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ))سورة الرحمن60..

لم يقابل أحدٌ إحسان الرسول ﷺ وإكرامه قط بأحسن مما قابله به السيد الكريم الوفي، ثمامة بن أثال – رضي الله عنه وأرضاه.

تأثير الإيمان في أمعاء ثمامة

أحضر الصحابة  الطعام المعتاد لثمامة في المساء بعد مبايعته النبي على الإسلام ،  فلم يأكل ثمامة منه إلا قليلا ولم يشرب من الحليب إلا يسيرا ،  فتعجب المسلمون من ذلك –كيف أصبح تناوله الطعام أقل من المعتاد-؟

فقال رسول الله ﷺ : مِمَّ تعجبون؟  أمن رجلٍ أكل أوّل النهار فى معي كافرٍ، وأكل آخر النهار فى معي مسلم؟؟ ((المُؤْمِنُ يَأْكُلُ في مِعًى واحِدٍ، والكَافِرُ يَأْكُلُ في سَبْعَةِ أمْعَاءٍ  )) رواه بن عمر وصححه البخاري برقم 5393 .

ثمامةُ يستاذنُ النبي للعمرةِ مُسلماً مُوحداً

كان ثمامة يأتي لزيارة بيت الله الحرام مُشركاً ، ويذبحُ القرابين للأصنام ، لكنه وقف بعد إسلامه  يسـتأذن النبي ﷺ في آداء العمرة لله وحده لاشريك له. فقال : يارسول الله َإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِى وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ أي فهل تأذن لي في العمرة؟  “فبشره”  النبي ﷺ بغفران ذنوبه كلها، وبخيري الدنيا والآخرة”، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ  .

أولُ مسلمٍ يدخل مكة ملبيا

إتجه ثمامة مباشرة إلى مكة بعد أن هداه الله للإسلام ، ليعتمر ويطوف ببيت الله الحرام ، فما أن وصل الى مكة إلا وهو يجلجل بصوته المرتفع مُلبياً لله قائلا : لبيك اللهم لبيك..لبيك لا شريك لك لبيك..إن الحمد  والنعمة لك والملك..لا شريك لك.

 فكان أول مُسلم -صحابي على ظهر الأرض- يدخل مكة ملبياً لله ..

هياج أهل مكة وإستعدادهم لقتل ثمامة

ما إن سمعت قريش صوت التلبية بوحدانية الله إلا وهبت غاضبة بخيلها وسيوفها ، واتجهت نحو الصوت لتبطش بصاحب التلبية الذي إقتحم عليها عرينها. وما إن وصلت تلك الجموع إلى ثمامة إلا ورفع صوته مجدداً عاليا بكبرياءٍ مردداً التلبية ، ومتحدياً كل جموع قريش ، مما دفع شاباً متهوراً من شباب  قريش لمحاولة إصابة ثمامة  بسهم ، إلا أن  جماعة من قريش أخذوا على يديه ومنعوه من إطلاق السهم ، وقالوا : ويحك أتعلم مَنْ هذا ؟  إنه “ثمامة بن أثال ملك اليمامة” ، والله إن أصبتموه بسوء لقطع قومه عنا الميرة – المؤونة- وأماتونا جوعا .

ما صبوت ولكن أسلمت

أقبلت قريش على ثمامة بعد أن أغمدوا سيوفهم  وخفت نبرة أصواتهم ، وقالوا : ما بك يا ثمامة؟!! أصبوت وتركت دينك ودين آبائك ؟!!

قال : لا ، ولكني أسلمت ، واتبعت خيرَ دينٍ ، دين محمد ، فوالله لا يأتيكم من اليمامة حبة  من قمحها حتى يأذن فيها رسول الله ﷺ. متفق عليه(وأخرجه) مسلم  .

ورغم أنف قريش ، إعتمر ثمامة بن أثال كما  عَلَّمَهُ  النبي ﷺ أن يعتمر ، ولم يذبح للأنصاب والأصنام، وإنما ذبح لله .

ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ .. رائد المقاطعة الإسلامية

أول مقاطعة اقتصادية ضد قريش

عاد ثمامة إلى بلاده،  وأمر قومه أن يمنعوا  خيرات بلادهم عن أهل مكة ، فاستجابوا له ، وقاطعوا أهل مكة ، و منعوا عنهم  القمح ،  فارتفعت الأسعار ، وفشا الجوع واشتد الكرب على كفار مكة ، حتى خافوا على أنفسهم ، وأبنائهم من الهلاك جوعاً .

لقد لقن ثمامة قريشاً درساً قاسياً ، شل إقتصادهم ، وأوجع  قلوبهم وأجسادهم.

إنها المقاطعة الإقتصادية التي أصابت قريش في مقتل .. وجعلتها  في مأزق ، تتخبط  في كيفية الخروج من تلك الأزمة الطاحنة التي تفتك بأهل قريش جوعاً .

    إنها المقاطعة الواجبة على كل مسلم للجبابرة والطغاة ..

    المقاطعة لكل  من حارب الله ورسوله ..

    المقاطعة لمن عذَّبوا المسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ..

استغاثة قريش بالنبي لفك الحصار عنها

إشتد الحصار على قريش ، وصَمَّمَ ثمامة على مقاطعة أعداء الله ورسوله ، وعدم فك الحصار إلا إذا أمره النبيﷺ، ولم تجد قريش حلاً لفك حصارها إلا باللجوء الى النبي ﷺ.  فاضطر وجهاء قريش وجبابرتهم  إلى اللجوء لرسول الله ﷺ، والخضوع والذل له،يسألونه بخشوع  بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة لفك حصاره عن مكة ، وإرسال الطعام لهم .

ألآن … تعترفون أيها الجبابرة الطغاة قساة القلوب برحمة ﷺ بعد أن أكل الحصار أكبادكم؟؟؟

ألآن … تتذكرون بأن لمحمدٍ ﷺ أرحامٌ بعد أن فشلت مؤامراتكم ومحاولاتكم قتله والقضاء على دعوته؟؟

قالوا : إن عهدنا بك يامحمد أنك تصل الرحم وتحض على ذلك  وها أنت قد قطعت أرحامنا ، فقتلت الآباء بالسيف ، وأمَتَّ الأبناء بالجوع  .. وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا ، وأضر بنا ، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث إلينا بما نحتاج إليه فافعل. فكتب صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها  .

إنه الرحمة للعالمين ، صلوات الله عليه وتسليماته،لم ينتهز الفرصة لتعذيبهم وتجويعهم وهلاكهم بالجوع  رغم مافعلوه معه ، ومع صحابته، وإنما عاملهم بالتسامح والرحمة  التي بعثه الله بها للبشرية أجمعين .

حقا ما قاله الله عز وجل عن خاتم أنبياءه ورسله : ((لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)) التوبة128.

جهاد ثمامة بن اثال ضد المرتدين

رغم الكَذِبَ البين لمسيلمة الكذاب الذي إدعى أن قرآناً أُنزل عليه مثل القرآن الذي أُنزل على محمد ﷺ ، وخَدَعَ كثيرين في اليمامة ونجد ، إلا أنهم  كانوا يتبركون به ، ويسألونه أن يدعو لمريضهم ، ويبارك لمولودهم ، وكانت دعواته تأتي –بالعكس – فجاءه قوم بمولود لهم فمسح رأسه “فَقَرعَ” ، وجاءه  رجل يسأله أن يدعو لمولود له بطول العمر ، فمات من يومه  .

وظل ثمامة ثابتا  على إسلامه ومعه جماعته ، وكان يدعو الآخرين الى تكذيب مسيلمة وعدم إتباعه قائلا  لهم :

((إياكم وأمرًا مظلمًا لا نور فيه ، وإنه لشقاء كتبه الله على من أخذ به منكم ، وبلاء من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة)) .

تأثير ثمامة الإعلامي ضد مسيلمة

كان ثمامة بن أثال الحنفي يقشعر جلده من ذكر مسيلمة  ، ويدعو المجتمع حوله قائلا :

((يا بني حنيفة إنه لا يجتمع نبيان في وقت واحد ، وإن محمداً رسول الله لا نبي بعده ،كما أن الله تعالى لا شريك له في ألوهيته ، فلا شريك لمحمد في نبوته  )) . ثم قرأ عليهم أكاذيب مسيلمة بأن الله أنزل عليه قرآنا  مثل   :

((الفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ ذَنَبٌ وَبِيلٌ، ولَهُ خُرْطُومٌ طَوِيلٌ))

(((يا ضفدع نقى نقى كما تنقين ، لا الماء تكدرين، ولا الشرب تمنعين؟)))

(( والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، فالخابزات خبزًا، والثاردات ثردًا، واللاقمات لقمًا ))

فأين ادعاءات قرآن مسيلمة من قول الله تعالى الذي جاء به محمد ﷺ ؟:

(((حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)))غافر1-3.

ومن كلمات ثمامة بن أُثال لقومه ينهاهم عن اتباع مسيلمة:

((إياكم وأمرًا مظلمًا لا نور فيه, وإنه لشقاء كتبه الله وجل عز  على من أخذ به منكم, وبلاء على من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة  )) .

وقد كانت كلماته مؤثرة في مجتمع اليمامة ونجد ، فأعرض كثيرون عن مسيلمة ونشروا خبر كَذِبِه في المجتمع كله .

وقيل : أطاع  ثمامة ثلاثة آلاف وانحازوا إلى المسلمين، فلما قدم خالد بن الوليد اليمامة شكر ذلك له وعرف به صحة إسلامه .

إنضمام ثمامة لجيش العلاء بن الحضرمي

وإنضم ثمامة ومن معه الى جيش العلاء بن الحضرمي  الذي أرسله أبوبكر الصديق في حملة للقضاء على المرتدين في البحرين ، وقال ثمامة لأصحابه : إني والله ما أرى أن أقيم مع هؤلاء الذين استمالهم مسيلمة ، وإن الله تعالى لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون ـ وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء-العلاء بن الحضرمي- وهم مسلمون وقد عرفنا الذي يريدون ، وقد مر قريبًا ولا أرى إلا الخروج إليهم، فمن أراد الخروج منكم فليخرج ، فخرج مُمِدًا العلاء بن الحضرمي ومعه أصحابه من المسلمين ، فكان ذلك قد فت في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد بني حنيفة.

استشهاد ثمامة بن أثال

جاهد ثمامة بن أثال وأصحابه مع العلاء بن الحضرمي ضد  المرتدين ، وعندما انتصر جيش المسلمين على المرتدين في البحرين ، اشترى ثمامة حُلة-لباس مميز- كانت لكبيرهم ، فلما رآها عليه ناس من بني قيس بن ثعلبة ظنوا أن ثمامة  هو الذي قتله ، وسَلَبَ ملابسه ، فقتلوه   .

الدروس المستفادة من قصة  إسلام ثمامة بن أثال:

  1. التأسي بإحسان وكرم وحِلم رسول الله ﷺ مع أعدائه.
  2. إمكانية ربط الكافر في المسجد لإطلاعه على قراءة القرآن والصلاة وسلوك المسلمين في المسجد ودعوته الى الله.
  3. فراسة النبي ﷺ الصادقة النابعة من نبوته ، التي لا يُدانيه فيها أحد من البشرية أجمعين .
  4. جواز العفو عن الأسير الكافر، بعد دراسة سلوك الأسير والتوقع بالتأثير الإيجابي لذلك العفو في قلب الأسير ، مثلما ظهر تأثيره في ثمامة الذي أقسم أن بغضه إنقلب حبًّا في لحظة واحدة نتيجة عفوه ﷺ بدون مقابل.
  5. التأسي بخُلق النبي ﷺ في العفو عند المقدرة وإمكانية تأثيرة في القلوب وإزالة الكراهية ونشر السلام.
  6. يجوز ملاطفة الأسير الذي يُرجى إسلامه إذا كان فيه مصلحة للإسلام، خاصة إذا كان يرجى دخول قومه وقبيلته في السلام مثلما حدث مع ثمامة الذي كان سببا في إسلام قومه ، ووقوفهم ضد المرتدين مع مسيلمة الكذاب.
  7. إخلاص ثمامه وتجرده لدينه فور إسلامه، وتخلصه من شوائب الجاهلية دون تردد .
  8. ثبات ثمامة رضي الله عنه وصدقه وصراحته وشجاعته .
  9. ضرورة الاغتسال عند اعتناق الإِسلام كما فعل ثمامة حين أسلم.
  10. وفاء ثمامة بوعده لرسول الله ﷺ.
  11. الإِسلام يغير سلوك المؤمن حتي يضع المسلم قدراته تحت تصرف الإِسلام والمسلمين كما فعل ثمامة بمقاطعته الاقتصادية لقريش ،وعدم إرساله القمح لأهل مكة إلا بإذن من الرسول ﷺ .
  12. ينبغي على المسلم عند إسلامه أن يقطع صلاته باعداء الأمة، والتزامه بأوامر الإسلام حتى تستقيم حياته ، وتحقيق مبادئ الإسلام في قلبه وسلوكه.
  13. حرص ثمامة على عقيدة الولاء والبراء من اللحظة الاولى بمعاداته لقريش ووعيده لهم بقطع علاقته التجارية معهم إلا إذا إذن له النبي ﷺ.
  14. حرص ثمامة منذ لحظة إسلامه على الدعوة الى الله، وابتدأ بدعوة قومه ونصحه لهم وحرصه على هدايتهم،ونصرة دينهم.
  15. صدق العرب وسلامتهم من خلق النفاق قبل الإسلام لعدم مجاورتهم ومخالطتهم باليهود ، إلا نفر قليل في يثرب”المدينة” لمجاورتهم لليهود الماكرين الضالين ومخالطتهم بهم .
  16. شرعية المقاطعة الاقصادية لكل أعداء الأمة الذين يعتدون على أعراضها ويحتلون أراضيها ومقدساتها ويؤذون ابنائها ويقتلونهم.
  17. مدى التاثير  المباشر والنكاية للمقاطعة الإقتصادية في أعداء الأمة واضطرارهم  لإحترام حقوق الأمة وعدم اعتداءها على أراضيها ومقدساتها وابنائها .
  18. إذا كانت صرخات نساء واطفال المسلمين قد ملأت أرض الله دون أن تجد معتصماً ، فليس أمام الشعوب إلا المقاطعة الإقتصادية لأعداء الأمة من السفاحين والقتلة والمجرمين حتى يظهر صلاح الدين يقود جيوش المسلمين لتحرير مقدساتها والثأر لأعراض نسائها وابناءها .
  19. يجب على الكافر إذا أسلم أن يستمر في عمل الخير الذي كان يقوم به قبل إسلامه.
  20. إن قضية فلسطين في قلب كل مسلم ليست قضية قومية ، وإنما مسألة عقيدة ودين يسألنا الله عنها ، ويجب على كل مسلم أن يقاطع اليهود المحتلين وأعوانهم في كل مكان حتى لو كانوا من أبناء جلدتنا، وأن كل عملة يتم صرفها معهم إنما هي تبرع لقتل ابناء فلسطين ودعما لهدم المسجد الأقصى .

 أخيراً.. هكذا  ظل ثمامة بن أثال ثابتا على دينه ما امتدت به الحياة ، حافظا لعهد نبيه ، وقد برهن على ذلك عملياً بمقاطعته لأعداء دينه ورسوله وللمسلمين ، وقتاله ضد المرتدين واستشهاده في سبيل الله ..

إنها روح الإسلام التي تسري في عروق المسلم  ، وتحمل صاحبها على السعي الحثيث للدفاع عن دينه وعقيدته وعدم  التفريط فيها ، والعمل والإحسان لرفعة الإسلام والمسلمين  ، ورضا الله رب العالمين .

د.محمد النجار
السبت 29 يناير 2022
26جمادى الثانية1443هـ

 

Exit mobile version