الصراط المستقيم

ثورة رمضان الروحية (5) .. مشاريع مضمونة الأرباح

بقلم / الدكتور محمد النجار

يسعى الإنسان في حياته للدخول في مشاريع مضمونة الأرباح ، ويبذل الجهد والوقت والمال لتحقيق الأرباح .. وهاهو شهر رمضان الذي أهدانا الله  إياه ونحن لا زلنا  أحياء على قيد الحياة ، ومعه أعظم مشاريع  بأرباح مضاعفة خلال شهر واحد فقط بينما مشاريع الآخرين تستغرق سنوات وغير مضمونة النتائج ..ومن هذه المشاريع :

المشروع الأول: غفران الذنوب السابقة :

ورأس مال هذا المشروع هو الصيام خالصا لوجه الله ، ويضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))) رواه البخاري ومسلم

المشروع الثاني: أجر الصيام بغير حساب :

يضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)))رواه البخاري ومسلم.

فالصيام له خصوصية  خاصة عن باقي العبادات ، فلم يتم عبادة البشرية إطلاقا لبشر ، ولم يتم تقديس بشر بالصيام له على مدار التاريخ الإنساني ، وإنما كان الصيام عبادة خاصة لله وحده سبحانه . ربما تم عبادة غير الله بالصلاة والركوع والسجود والصدقة ، ولذلك قال الله تعالى : ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام)).

كما أن الصائم  لايعلم بحقيقة صيامه سوى الله سبحانه وتعالى ، وليس فيه رياء  ، ولذلك قال الله في الحديث القدسي ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به)) ، وإذا قال الله تعالى ((وأنا أجزي به)) فكيف سيكون الجزاء من الله؟ إنه الجزاء الأوفى  الذي لايعرف مداه إلا الله الكريم … ..

المشروع الثالث : شفاعة الصيام والقرآن يوم القيامة :

ويضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عبدالله بن عمروبن العاص رضي الله عنه  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(((الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ ، يقولُ الصيامُ : أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه ، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه ، فيَشْفَعانِ)))   عدة رواة ، ذكرة الألباني في كتاب صحيح الجامع 3882.

والصيام هنا  : هو صيام رمضان وصيام أي يوم طوال العام ، حيث يمتنع الصائم عن طعامه وشرابه وشهواته من الفجر حتى آذان المغرب ابتغاء مرضاة الله .

والقرآن : الذي ينشغل به الانسان قراءة وفهما وتطبيقا ، يتشفع للإنسان يوم القيامة .

المشروع الرابع : إجابة الدعاء

ويضمن هذا المشروع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(((ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ : دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ ، ودعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المسافِرِ))

أخرجه البيهقي (6619)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (405)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (2057) باختلاف يسير. ذكره  الألباني في  صحيح الجامع الرقم : 3032

يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوة الصائم لا ترد ، فليكثر الصائم من الدعوات لنفسه ولابناءه وإخوانه ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن باب السماء مفتوح خاصة إذا كانت الدعوات للخير

المشروع الخامس : البُعد عن النار :

ويضمن هذا المشروع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه :عن أبي سعيد الخدري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(((مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))).

رواه البخاري ( صحيح البخاري)  2840

تخيل صيام يوم واحد يُباعد بين الانسان والنار بمقدار سبعين سنة ! فهل يوجد مشروع في هذه الدنيا يضمن لك النجاة من النار بل يجعل بينك وبين النار بمسافة سبعين سنة؟

إنها الفرصة العظيمة التي يمنحها الله عز وجل لنجاة الأنسان من النار.

قيل  : في سبيل الله أي الجهاد في سبيل الله إلَّا أنْ يَخشَى الصائِمُ ضَعفًا عِندَ لِقاءِ العَدُوِّ، حينئذ يكون الفطر له أولى ليقوى على قتال العدو .

وقيل : في سبيل الله معناه : إخلاص الصائم لله للهِ عزَّ وجلَّ، وإنْ لم يَكُنْ في الجِهادِ، فذَكَرَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ جلا جلاله وعد الصائم مخلصا له بأنْ يُباعِدَ بيْنه وبيْنَ النَّارِ سَبعينَ خَريفًا، أي: سَبعينَ سَنةً ، لأن مرور خريف معناه انقضاء سنة ، مما يدل على  على بُعدِ النَّارِ عنِ المُجاهِدِ الصَّائِمِ، أوِ الصائِمِ المُحتَسِبِ للهِ عَزَّ وجَلَّ.

المشروع السادس : الفوز بالجنة :

ويضمن هذا المشروع النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ، عن : عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((إن في الجنة غرفاً، يُرى ظاهرُها من باطنها ، وباطنُها من ظاهرها، أعدها لله لمن أطعم الطعام ، وآلان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام))

رواه البيهقي في شعب الإيمان ، وروى ابن حبان في صحيحه نحوه، رواه الطبراني بإسناد حسن ، والحاكم وقال : صحيح على شرطيهما . وأخرج ابن حبان نحوه ، من حديث أبي مالك ، وفيه : ” أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وصلى بالليل والناس نيام ”

فكم من أناس كانوا معنا ، وهم لايدرون أنه رمضانهم الأخير في تلك الحياة؟

فهل من مغتنم لهذه الفرصة الربانية والنفحات الإلهية لإيقاظ القلوب والضمائر والمشاعر الانسانية  .. لإدراك الخير الذي جاء به شهر رمضان ..!!

إنه شهر الثورة الروحية والفرصة الربانية للنجاة في تلك الحياة ولتغيير مسار الحياة للقرب من الله ..

اللهم لا تجعله رمضاننا الأخير ،، وارزقنا رمضانات كثيرة ، نُكثر فيها من الخير ، ونلقاك وأنت راضٍ عنا ياأرحم الراحمين.

د.محمد النجار 

الأحد 9 رمضان1443هـ

الموافق 10 ابريل 2022م

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.