بقلم / الدكتور أمين رمضان
بعد الحديث عن أخطر أعداء الإبداع وهما القهر والخوف، تعالوا نتأكد من ذلك معاً بالنظر في واقع الحياة، فالواقع أصدق برهان على الأسباب التي أوجدته.
حتى الإيمان اختيار حر
كان جميع الرسل يأتون بالرسالات، وليس بالسلطة، ويدعون الناس للإيمان باختيارهم، ومثال على ذلك أن الله سبحانه وتعالى عندما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم قال له بمنتهى الوضوح: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّرࣱ﴾ [الغاشية ٢١]، ولم يكتفي بذلك بل قال له في الآية التي بعدها مباشرة: ﴿لَّسۡتَ عَلَیۡهِم بِمُصَیۡطِرٍ﴾ [الغاشية ٢٢]، فنهاه عن السيطرة على الناس، حتى يكون الإيمان بالله نابع من حرية الاختيار كما قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَاۤءَ فَلۡیُؤۡمِن وَمَن شَاۤءَ فَلۡیَكۡفُرۡۚ…. الآية﴾ [الكهف ٢٩]، وكانت حرية الشخص شرطاً من شروط الإسلام، فلا يقبل إسلام العبد لأنه فاقد لحرية الاختيار.
إنجازات كانت أحلام في عالم الرياضة
الكثير من إنجازات العلماء وأبطال الرياضة وغيرهم، كانت أحلاماً في عقولهم مرتبطة بالإعجاب الشديد بقدوة في المجال الذي أحبوه، ثم أصبح هذا الحلم واقعاً، وفي الغالب يتعدي انجازهم انجاز القدوات الذين أحبوهم وسعوا أن يكونوا أمثالهم، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، فواحد من أفضل لاعبي التنس في تاريخ اللعبة، روجر فيدرير كانت قدوته لاعب التنس الأمريكي الموهوب بيت سامبراس الذي سجل رقماً عالمياً بفوزه ب 14 بطولة من بطولات التنس الكبرى، روجر فيدرير تعداه وفاز ب 20 بطولة، وغيره الكثير، بل كان سامبراس حاضراً في المباراة التي لو فاز بها فيدرير فإنه سيحطم بهذا الفوز رقم سامبراس نفسه، وفعلاً فاز فيدرير بالبطولة ليصل رصيدة إلى 15 بطولة، ويتخطى سامبراس، الذي كان موجوداً ليهنيء البطل الجديد بإنجاز عالمي جديد، دعماً لبطل جديد وإن حطم رقمه، لا حقد ولا حسد، وهكذا تستمر ولادة أبطال جدد من الصغار، يتفوقوا على السابقين، لتزدهر لعبة التنس بالموهوبين من كل بلاد العالم المتقدم، بينما يكون ظهور بطل أو بطلة من دول العالم المتخلف صدفة، فالأولي تصنع وترعي المواهب، والثانية تحارب وتغتال المواهب.
البداية من الأسرة
نعم البداية من الأسرة، فالكثير من أبطال التنس، كانت الأسرة ترعاهم من أعمار صغيرة جداً، أحيانا 3 سنوات، فتذهب بهم إلى أكاديميات متخصصة في التنس، لتكتشف المواهب وتصقلها وتعدها لحصد البطولات، وبالتأكيد كان يتابع الأطفال، الأبطال الكبار في اللعبة التي يحبونها، ويرسموا صورة ذهنية لأنفسهم شبيهة بالبطل القدوة، بل إن منهم من قال عندما فاز ببطولة، أنه كان يحلم بها وهو صغير، والآن تحقق الحلم.
الدكتور أحمد زويل نموذج
فالأسرة التي تشجع أطفالها على حرية الأحلام بالمستقبل، هي أسرة تزرع بذور الإبداع والإنجاز والنجاح في مستقبل أبناءهم، يحكي الدكتور أحمد زويل في كتابة “عصر العلم” أن أمه وهو طفل صغير كتبت على باب غرفته “الدكتور أحمد زويل”، وكأنها زرعت الحلم في عقلة، ليكبر ويكبر ويكبر، حتى يفوز بأكبر جائزة علمية، وهي جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999م، لأبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو، حيث قام باختراع ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعة الليزر في زمن مقداره فمتوثانية، وهكذا يمكن رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية، ويعتبر هو رائد علم كيمياء الفيمتو، ولقب بـ«أبو كيمياء الفيمتو»، وهذا مثال على موهبة سافرت إلى البيئة التي تشجع الإبداع، فأثمر وأحدث نقلة نوعية في عالم الكيمياء، وغير أحمد زويل الآلاف من العلماء عبر العالم، سيدعون كل يوم ، وغيرهم يذبلون ويموت معهم الإبداع عندما يعيشون القهر والخوف.
العلاقات القائمة على السلطة تقتل الإبداع، لأنها قائمة على الخوف، أما العلاقات القائمة على القدوة فإنها تثري الإبداع، لأنها قائمة على الحرية، حرية اختيار الحلم والقدوة.
وللحديث بقية…
الدكتور أمين رمضان
عضو مجلس إدارة مركز الوعي العربي
للدراسات الاستراتيجية – القاهرة
18 أبريل 2022