بقلم: د.سعد كامل
نحمد الله سبحانه وتعالى على أن جعل مفهوم الكون من الأمور الكلية التي يمكن للبشر أن يتفكروا فيها -في ضوء النصوص الشرعية- للوصول إلى المفهوم الأكثر قربا للحقيقة، فالصورة الحقيقية لمفهوم الكون الشامل بكل التفاصيل المذكورة في النصوص الشرعية يمكن أن تجذب إلى ميدان الإيمان الكثير من البشر أصحاب العقول والأحلام، ويضاف إلى ذلك أن مفهوم الكون في النصوص الشرعية الإسلامية يتعدى محدودية الحياة الدنيا إلى الآخرة.
ويتوقع كاتب هذه السطور أن يتلقى الكثير من السادة العلماء هذه الأفكار المقترحة حول مفهوم الكون بالنقد والتمحيص، وقد يصل هذا النقد إلى رفض الفكرة من الأساس، وهذا عند وقوعه سوف يكون من الأمور الصحية مادامت الأمة مستيقظة وفيها رجال يبحثون عن الحق والحقيقة، لكن يجب التأكيد هنا على أن هذا الطرح لمفهوم الكون لا يعتبر طرحا جديدا، بل سبقته محاولات ومحاولات تتفق أو تختلف مع الطرح الحالي، والجدول رقم (1) يوضح عددا من المحاولات السابقة لتوضيح مفهوم السماوات السبع والأرضين السبع:
جدول (1) ..((لو الجدول غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))
- جاء في تفسير ابن كثير عن قوله تعالى من سورة الملك ((الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)): “الذي خلق سبع سماوات طباقا أي طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.أ.هـ”. فالسماوات السبع بينهن خلاء. ويعتقد كاتب هذه السطور أن السماوات طباقا تتفق مع نموذج السمان والألوسي لبنية السماوات السبع الذي تم ذكره في المقالات السابقة.
- وذكر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة البقرة ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ…(255)): {قال السدي: السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش}. وهذا يضيف إلى مفهوم الكون ما يتجاوز محدودية السماوات السبع والأرضين السبع كما جاء في أدلة أخرى من القرآن الكريم (جدول 2).
جدول (2) ..((لو الجدول غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))
- قال تعالى في سورة البقرة: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29))، وقد جاء في تفسير المنتخب حول هذه الآية إشارة إلى مكونات الكون قائلا: “إن تفاصيل هذه الأمور لم يكن للنبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها إلا بوحي”. كما جاء في تفسير روح البيان قول الإمام حقي -رحمه الله-: “والسماء هي كل جرم علوي ويدخل فيها الكرسي والعرش”، وقد ورد عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ” (صححه الألباني، مجلد 1، حديث 109). وقد حدد علماء الفلك المسلمين أن الفضاء المحيط بالكرة الأرضية والذي يضم كل الأجرام السماوية المعروفة للبشر (أو الكون المدرك) أنه يمثل السماء الدنيا (معلمي، 2011)، وبناء عليه من الضروري أن نذكر هنا أن جميع البشر لا يمكنهم معرفة شيء عن الكون خارج حدود الكون المرئي إلا من خلال الوحي السماوي.
هل تتخيل أيها القاريء الكريم الحجم الحقيقي للكون الكبير؟ نحن نتكلم –والله أعلى وأعلم- عن السماوات السبع في صورة سبعة كرات متحدة المركز سماكة كل منها يساوي تقريبا نصف قطر الكون المدرك، وبين كل سماء وسماء مسافة تناهز أيضا نصف قطر الكون المدرك… وكل ذلك كله من الكرسي عبارة عن حلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي من العرش أيضا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، فهل يحق لأي من البشر الضعفاء أن يتكبر أو يتجبر أمام هذا الخلق العظيم؟ ولعل الشكل رقم (1) وصورة غلاف المقال للكرات المتداخلة تقرب لكم الصورة وتساعدكم على التخيل.
شكل (1): نموذج تخيلي لبنية السماوات السبع والأرضين السبع حسب السمان (2017).
((لو الشكل غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))
كما أن الكون الكبير لا يقف عند حدود السماوات السبع والأرضين السبع (التي سوف يتم وصف بعض التفاصيل عنها في المقالات القادمة بإذن الله)، بل يتضمن أيضا الكرسي الذي هو موضع قدم الرحمن سبحانه وتعالى، ويستوعب الكرسي السماوات السبع والأرضين السبع في جوفه كما قال السدي في تفسير آية الكرسي، كما يتضمن الكون أيضا عرش الرحمن الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأجملها.
- روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نبي الله -صلى الله عليه وسلم- جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: “- هل تَدْرونَ ما هذه الَّتي فوقَكم؟ فقالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّها الرَّفيعُ: سقفٌ محفوظٌ، وموجٌ مكفوفٌ، هل تدرونَ كم بينَكم وبينَها؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّ بينَكم وبينَها مسيرةَ خَمسِ مِئةِ عامٍ، وبينَها وبينَ السَّماءِ الأخرى مِثلُ ذلكَ، حتَّى عَدَّ سبعَ سمواتٍ، وغِلَظُ كلِّ سماءٍ مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ، ثمَّ قال: هل تدرونَ ما فوقَ ذلك؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّ فوقَ ذلك العرشُ، وبينَه وبينَ السَّماءِ السابعةِ مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ، ثمَّ قال: هل تدرونَ ما هذه الَّتي تحتَكُمْ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّها الأرضُ، وبينَها وبينَ الأرضِ الَّتي تحتَها مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ، حتَّى عَدَّ سبعَ أرَضينَ، وغِلَظُ كلِّ أرضٍ مسيرةُ خَمسِ مِئةِ عامٍ، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه، لو أنَّكم دلَّيْتُم أحدَكم بحبلٍ إلى الأرضِ السَّابعةِ، لهبَط على اللهِ تبارَك وتعالى، ثمَّ قرَأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد: 3). ذكر موقع الدرر السنية تخريج هذا الحديث بقوله: أخرجه الترمذي (3298)، وأحمد (8828)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (849) واللفظ له وقال فيه انقطاع. ففي هذا الرواية وفي عدة نصوص أخرى نلاحظ وصفا عاما للمسافات الكونية مع إشارة ضمنية عن بنية السماوات السبع والأرضين السبع.
- وقد ذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية قول محمد بن عثمان ابن أبي شيبة عن بعض السلف: “أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء، بعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة”. وجاء عند ابن كثير في تفسير قوله تعالى من سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) “أن بعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، واتساعه خمسون ألف سنة”. وسوف تتناول مقالة قادمة ما يمكن استنتاجه من هذه النصوص عن أبعاد الكون والعلاقات بين مكونات الكون المذكورة في هذه الروايات,
- كما ثبت في القرآن الكريم أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، قال الله تعالى في سورة الحديد: ((سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ… (21)) وهذا حق بلا ريب، وفي مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “إذا جاء الليل فأين يكون النهار؟”، ويتضح من هذه الإجابة الموجزة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم عدة مفاهيم منها كروية الكون الصغير الذي يضم جنة الخلد في السماوات السبع العُلَى كما جاء في حديث الإسراء بالبخاري ومسلم، ويضم النار أو الجحيم في الجهة المقابلة للسماوات العلى، وهي أسفل سافلين بالنسبة للعرش، بالتالي إذا كانت جنة الخلد في النصف العلوي من السماوات السبع فوق الأرضين السبع العليا، فإن الجحيم يكون في النصف السفلي من السماوات السبع فوق الأرضين السبع السفلى (شكل 2)، كما جاء في قوله تعالى من سورة النساء: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)). وسوف يتم مناقشة تفاصيل أخرى عن الاتجاهات الكونية في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.
شكل (2) مخطط توضيحي لمفهوم الاتجاهين العلوي والسفلي في الكون الصغير.
((لو الشكل غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))
في ضوء النصوص الشرعية المذكورة أعلاه يمكن استنتاج المفهوم المقترح للكون بمكوناته الكبرى التي تتضمن السماوات السبع والأرضين السبع والكرسي والعرش، ويوضح الشكل (3) مخططا مقترحا للكون الكبير مع وصف موجز لمكونات الكون. وسيأتي في المقالات التالية وصفا مبدئيا لمكونات الكون الكبير ولأبعاد الكون الكبير بناء على ما ورد من نصوص شرعية.
شكل رقم (3) مخطط مقترح للكون بمعناه الواسع في العلوم الشرعية، مع وصف موجز لمكونات الكون.
((لو الشكل غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))
المراجع:
مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
السمان، عبد الرحمن (2017) حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).
عمري، حسين (2004): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4 ، ص 11 –41 .
معلمي، خليل (2011) وهم نظرية الانفجار العظيم ووجود الأراضي السبع، (موقع أهل القرآن).
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com