أراء وقراءات

مفهوم الكون الكبير (8).. مناقشة المفهوم المقترح

بقلم / د.سعد كامل

يقدم هذا البحث مفهوما متكاملا للكون -تم عرض فكرة موجزة عنه في المقالات السابقة-، وسوف تتناول المقالات التالية تفاصيل أكثر عن مكونات الكون الكبير (انظر مخطط الكون: شكل 1)، وكاتب هذه السطور إذ يحمد الله على ذلك الفتح المبين، فإنه يرجو أن يتلقى السادة العلماء هذه الأفكار المقترحة حول مفهوم الكون بالنقد والتمحيص، مع التأكيد هنا على أن هذا الطرح لمفهوم الكون لا يعتبر طرحا جديدا، بل سبقته محاولات ومحاولات تتفق أو تختلف مع الطرح الحالي، وقد ناقش المقال (4) من هذه السلسلة بعض تلك المحاولات.

شكل رقم (1) مخطط مقترح للكون بمعناه الواسع في العلوم الشرعية، مع وصف موجز لمكونات الكون.

((لو الشكل غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))

هل تتخيل أيها القاريء الكريم الحجم الحقيقي للكون الكبير؟ نحن نتكلم –والله أعلى وأعلم- عن السماوات السبع في صورة سبعة كرات متحدة المركز سماكة كل منها تساوي نصف قطر الكون المدرك، وبين كل سماء وسماء مسافة تناهز أيضا نصف قطر الكون المدرك… وكل ذلك كله من الكرسي عبارة عن حلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي من العرش أيضا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، فهل يحق لأي من البشر الضعفاء أن يتكبر أو يتجبر أمام هذا الخلق العظيم؟ ولعل الشكل رقم (1) وصورة غلاف المقال للكرات المتداخلة تقرب لكم الصورة وتساعدكم على التخيل (انظر بعض الأدلة على جدول 1).

جدول رقم (1): ((لو الجدول غير ظاهر فضلا إضغط على الفراغ أعلى هذا السطر))

ويرجو كاتب هذه السطور أن يتفضل السادة العلماء (الماديين و/أو الشرعيين) بمناقشة تفاصيل الفكرة، وبتفنيد الأدلة التي يقدمها البحث بحيث يتم قبول الفكرة وفق أسس علمية صحيحة، أو تعديلها في بعض الجزئيات التي قد يجافيها الصواب، أو حتى رفض الفكرة بناء على أسس صحيحة وأدلة مقنعة، وفيما يلي نناقش بإيجاز عدد من الاعتراضات التي سمعتها من بعض الزملاء على هذا البحث مع الرد عليها… وباب النقاش مفتوح لمن يريد:

1)   قول أحد العلماء أن هذا البحث غير علمي:

إذا قال قائل أن هذا الكلام غير علمي (بمعنى أن العلماء الماديين لن يقبلوه لأنه يقوم أساسا على أدلة شرعية)، فهذا يمكن الرد عليه بأن الخصام الإلحادي بين العلم المادي والعلوم الشرعية غير معروف في الإسلام فالعلوم المادية والعلوم الشرعية يتكاملان ولا يتضادان، بالتالي فالدليل الشرعي المطروح في هذا البحث (وفي غيره من الأبحاث الشرعية) لا يحتاج للعلماء الماديين أن يوافقوا عليه، بل نطرحه كما طرح القرآن الكريم قضايا الخلق على أهل مكة قبل دخولهم في الإسلام، وذلك في سياق إثبات توحيد الخالق سبحانه وتعالى، ومن شاء فليؤمن.

2) القول بأن النموذج المطروح لبنية الكون لم تثبت صحته بعد:

قد يقول قائل أن النموذج المطروح للكون (في البحث الحالي) لم تثبت صحته بعد حتى نقبل به ونقوم بتفسير الآيات والأحاديث على أساسه، والرد على هذا الكلام أن هذا النموذج مستنتج من نصوص شرعية صحيحة، ومؤسس بشكل كبير على فهم ظاهر النص لأن الأمور الغيبية لا تحتمل تأويلات غير ظاهرة في النص إلا في أضيق نطاق وفق قواعد اللغة وأسس التفسير. فمثلا الإمام الواحدي في تفسير الوجيز يفسر قوله تعالى في سورة الزمر (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67))  بقوله: “(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) أي: ملكه من غير منازع، كما يقال: هو في قبضة فلان إذا ملك التصرف فيه وإن لم يقبض عليه بيده” … لكن المحقق الأستاذ صفوت داوودي يعلق على هذا التفسير بقوله: “إن الإمام قد مال إلى تأويل النص على خلاف ظاهره”، (ويذكر حديث الحبر اليهودي الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عما يجدونه في التوراة أن الله يحمل السماوات على إصبع… الحديث)، ثم يعقب بقوله: “إن التسليم أسلم”…. فهذا مثال على أفضلية الإلتزام بظاهر النص في الأمور الغيبية، من هنا نرجو ممن يعترض على الفكرة بأنها لم تثبت أن يتقدم بتفسير راجح للنصوص المذكورة ضمن أدلة البحث الحالي لإثبات فكرته أو يقدم بديلا يمكن الوقوف عنده في هذا الخصوص… أما إطلاق النقد دون أساس صحيح فنسأل الله أن يعافنا ويعافي الجميع منه.

ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن مفهوم الكون المقترح الذي تعرضه هذه السلسلة من المقالات يعتبر أحد المفاهيم المطروحة، وهناك الكثير من المفاهيم والنماذج التي تزخر بها المكتبة الإسلامية، والجميع متاح بين أيدي الباحثين عن الحقيقة، ولن يبقى على الساحة إلا الأصح من وجهة النظر الشرعية.

3)  إشكالية الاختلاف بين العلوم المادية والعلوم الشرعية في آليات البحث:

أما من يقول أن الأمور سوف تتوه بين الاختلاف الشديد في وجهات النظر وآليات البحث ضمن مجالي العلوم البشرية (العلم المادي والعلم الشرعي)، هنا يمكن القول أن الباحث الحالي ينادي بالتعاون بين هذين المجالين وفق ضوابط البحث العلمي عند كل منهما، ومن الطبيعي أن الذي يمكنه القيام بذلك من جانب العلوم المادية هم العلماء الذين لديهم استعداد للتعامل مع النصوص الشرعية، أما العلماء الماديين الذين تمكنت الأفكار المادية من قلوبهم ويعترضون على الجمع بين العلم المادي وبين العلوم الشرعية فهؤلاء غير مقصودين بالخطاب في الوقت الحاضر، وذلك حتى يتم وضع أسس صحيحة للتعامل بين الجانبين، وهناك فئة من العلماء الماديين غير مقصودين بهذه السلسلة من الأبحاث في الوقت الحالي أيضا وهم أولائك الذين يرفضون الدين بشكل أساسي ويرفضون الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، فهؤلاء تفصل بيننا وبينهم مسافة كبيرة نتمنى زوالها مع الأيام بإذن الله… أما السادة علماء الشريعة فننتظر منهم كل الدعم فيما يرونه صحيحا من جوانب الفكرة، كما نتوقع منهم تصويب ما يرونه مجافيا للحقيقة، فالفكرة من بدايتها لنهايتها منهم وإليهم، وبالله التوفيق.

4) رفض البعض إقحام الأمور الغيبية ضمن العلوم المادية:

وهناك من يرفض إقحام العلوم الغيبية كأدلة ضمن العلوم المادية أو العكس من كلا الجانبين سواءا بسواء، فنقول إن البحث الحالي ينادي بالتكامل بين العلوم الشرعية والعلوم المادية، والباحث يدرك أن القضايا الغيبية لا يمكن أن تكون من أدلة وإجراءات الأمور المادية فلكل من الجانبين آلياته في البحث والاستنتاج، لكن محدودية العلم البشري تتطلب أن ينظر العلم المادي إلى آفاق القضايا الغيبية لعله يستفيد منها في ضبط مهامه وأدواته باعتباره تابعا للشرع وليس مهيمنا، والروح البشرية من أكبر القرائن في ذلك المجال فهي من أمور الغيب التي نشعر بها ونستخدمها للتفريق بين الحي والميت.

من هنا يرى مؤلف بحث مفهوم الكون أن انفلات العلوم المادية في الغرب خصوصا من الضوابط الإيمانية الشرعية، وعدم التفاتها للإيماءات العلمية المتوفرة في نصوص العلوم الشرعية قد أدى إلى انزلاق تلك العلوم المادية إلى منزلقات خطيرة مثل مزاعم طلب دليل مادي على رؤية الإله الخالق، وتأليه الطبيعة، وأفكار التطور العضوي ومزاعم علم السلالات البشرية وغيرها ((ويتبعهم في ذلك للأسف كثير من العلماء الماديين المؤمنين بالخالق العظيم نظرا لهيمنة المفاهيم الإلحادية في شتى فروع العلوم المادية))… فمن سيقوم بضبط تلك العلاقة إن لم يبادر العلماء الشرعيين والعلماء الماديين -الذين لديهم الاستعداد لتلك المهمة وفق ضوابطها- لتوضيح هذه الأمور طلبا لتحقيق طاعة الله عز وجل بين جنبات العالم أجمع. ولا ننسى هنا محاولات أستاذ علم الأجنة كيث مور في الجمع بين النصوص الشرعية (من وصف القرآن الكريم لمراحل خلق الإنسان من النطفة إلى الكائن البشري الكامل) في تخصصه الدقيق واعتباره أن الوصف القرآني أكثر دقة.

5) تخوف البعض من الخوض في الأمور الغيبية:

وهناك من ينظر إلى البحث بعين ناقدة ترفض الخوض في المسائل الغيبية، وهذا نقول له أن بحث مفهوم الكون ليس بدعا من الأبحاث، فهناك الكثير من الأبحاث التي تخوض في فهم النصوص الشرعية حول الكثير من الجوانب الغيبية في خلق الله، والعمدة في ذلك كله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله”  (صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1788 وقال: حسن لشواهده)، فهذا الحديث الشريف يفتح الباب على مصراعية للتفكر والبحث عما خلقه الله تعالى وجاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وأقوى دليل يسوقه الباحث حول مفهوم الكون هو ذلك التطابق الكامل بين نموذج بنية السماوات السبع للسمان (2017) وبين تفسير الإمام الألوسي للآية 12 من سورة الطلاق، صحيح أن البحث الحالي يقترح تعديلا على هذا النموذج وفق ما ظهر من أدلة في هذا المضمار، لكن الأساس أن الشرع يجيز البحث في الأمور الغيبية التي وردت بها نصوصا صريحة، وليس أصح من حديث الإسراء الذي وردت فيه أوصاف الكون الواسع الذي رآه المعصوم صلى الله عليه وسلم، كما قال الشاعر: ((رأى جنة المأوى وما فوقها …. ولئن رأى غيره ما رآه لتاها)).

6) هل يمكن لهذا البحث أن يغطي المفهوم الكبير للكون؟

يقر الباحث أن هذا السؤال منطقي جدا، وقد ناقش المقال (3) من هذه السلسلة قصة هذا البحث الكبير، وتلك القصة توضح مدى ضخامة هذا المفهوم، بالتالي فإن الجهود الكبيرة التي بذلها الباحث الحالي ليست إلا بداية متواضعة للإشارة إلى مفهوم الكون الكبير، صحيح أن الباحث يؤكد أن استكمال ما يمكن من هذا البحث الكبير يعتبر مهمة حياة للسنوات أو الأيام الباقية له في هذه الدنيا، وعليه فإن طرح مفهوم الكون الكبير (شكل 1) هو الخطوة الأولى لتوصيل هذا المفهوم الإيماني الكبير للبشر جميعا بعون الله تعالى، وبالتالي فإن الباحث الحالي نادى كثيرا في المقالات السابقة وسيظل ينادي بإذن الله في المقالات القادمة -من هذه السلسلة التي تستضيفها جريدة وضوح الغراء- بأهمية التعاون والتكامل بين العلوم المادية والعلوم الشرعية لخدمة مفهوم الكون الكبير، كما حاول الباحث طرق أبواب الهيئات المهتمة بالمفاهيم العلمية الإيمانية ولا زال ينتظر خطوة إيجابية من هذه الهيئات لكي تتبنى فكرة البحث، ووقتها سوف يتم اعتماد البحث وستكون نتائج البحث موثقة ويمكن نشرها للعالم أجمع وبالله التوفيق.

المراجع:

  مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.

 السمان، عبد الرحمن (2017) حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).

 كامل، سعد (2022): سلسلة مقالات حول مفهوم الكون الكبير، موقع النت (وضوح الإخباري):

المقال (3): قصتي مع بحث مفهوم الكون، 18 إبريل 2022.

المقال (4): وجهات نظر حول بنية الكون، 25 إبريل 2022.

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.