أزمة فكرية دينية تنخر في عظام الأمة
بقلم / الشيخ أسامة أحمد سعد
خلال الفترة القليلة الماضية تعجبت اكثر العجب من حال الامة والمجتمعات والشباب في عدم قبول الراي الاخر وضيق الافق الذي للاسف عند كثير من الناس وخاصة اذا كان الامر متعلق بامر فقهي فيه سعة واختلاف عند الفقهاء او امر عقائدي كذلك فيه تفويض الامر الي الله
الامر الاول هو استشهاد الاخت البطلة الفلسطينية / شيرين ابو عاقلة ( رحمها الله ) وما اثير علي الشوشيال مديا بالحكم عليها بدخول الجنة او النار وعدم ترك هذه القضية لعلماء العقيدة للحكم عليها ولكن للاسف كل من هب ودب ، من يعلم ومن لا يعلم ، من هو غير متخصص في العقيدة يتكلم فيما لا يعنيه ، تعجبت انني لم اجد عالم او دكتور ازهري من كلية اصول الدين قسم العقيدة يخرج علينا ويتكلم في هذا الامر ولكن للاسف ترك الامر للعلماءغير المتخصصين في العقيدة كل يكفر ويدخل من يشاء الجنة والنار كيفما يشاء وكان الجنة والنار بيد البشر والمفتاح بيد اتباع الوهابية الجهلة . وكيف هاجمني الشباب في المسجد بعد الدعاء لها بالرحمة وحاولت النقاش معهم بالحجة والبرهان وانا اعتبر ان هذه المراة عندي افضل من مائة حاكم مسلم خائن لدينة ووطنه، باع الاقصي وتنازل عنه من اجل منصب ، كما ذكر الشيخ / محمد الغزالي ان امراة كماجريت تاتشر عنده افضل من حاكم مسلم خائن ، والامر في الاخرة بيد الي الله .
عموما استشهاد شيرين ليس موضوعنا اليوم ولكن الموضوع عن :
حكم زواج المراة نفسها بنفسها
الامر الثاني :- سئلت في المسجد عن حكم زواج المراة نفسها بنفسها من غير ولي وهل الولي شرط لصحة عقد النكاح ؟ فقلت الائمة الثلاثة شرطوا الولاية في الزواج ما عدا الامام ابو حنيفه فقال :- يحق للمراة ان تزوج نفسها بنفسها من غير ولي وقلت : انا ارجح هذا الراي عندنا في امريكا وخاصة اننا ياتينا بعض المسلمات الذين يدخلون الاسلام واهلها غير مسلمين فانا اجعلها تزوج نفسها بنفسها افضل من اعطاء الولاية لاحد من المسلمين وقلت ان الاحناف لهم وجه نظر قوية وادلة ثابته ، من هذه الادلة ما ذكرة الامام / الموصلي وهو من كبار ائمة الاحناف عن اي حنيفة في كتاب الاختيار في تعليل المختار ما نصة :- ( فقد جاء في الاختيار لتعليل المختار: وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240] أَضَافَ النِّكَاحَ وَالْفِعْلَ إِلَيْهِنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهِنَّ وَنَفَاذِهَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ؛ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا غَيْرَهَا. وَهِيَ إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَقَدْ فَعَلَتْ فِي نَفْسِهَا بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي ذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ فَتَاةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخٍ لَهُ؛ لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ، وَأَنَا لَهُ كَارِهَةٌ! فَقَالَ لَهَا: أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ، فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي فِيمَا صَنَعَ أَبِي! قَالَ: فَاذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ! فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي عَمَّا صَنَعَ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِمْ شَيْءٌ» . وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» . الثَّانِي: قَوْلُهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: «أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ» – يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ نَافِذٍ عَلَيْهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا. وَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذََامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» . وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا، فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إِلَى عَلِيٍّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَجَازَ النِّكَاحَ. وَهَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ; لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا، فَيَنْفُذُ كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا. وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْهَا فِي الْمَالِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ فِي الْمَالِ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَبَذْلِهِ لَهَا، وَهِيَ أَهْلٌ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهَا، إِلَّا أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِمْ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَمُعَارَضَةٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ فَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الْقِيَاسِ – وَهُوَ لَنَا – عَلَى الْمَالِ وَالرَّجُلِ، أَوْ يُوَفَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَيُحْمَلُ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَى الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ، وَمَا رَوَيْتُمُوهُ عَلَى الْأَمَةِ تَوْفِيقًا. كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَيُّمَا أَمَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا» ؟ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَوْ يُرَجَّحُ، وَالتَّرْجِيحُ مَعَنَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ سَالِمٌ عَنِ الطَّعْنِ، وَمَا رَوَاهُ مَطْعُونٌ فِيهِ؛ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، «وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، «وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ. عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْمَرْأَةُ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا، فَلَا يَكُونُ نِكَاحًا بِلَا وَلِيٍّ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ وَلِيًّا؟ وَلَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنِ الْحَدِيثِ. وَكَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَسْقَطَ رِوَايَتَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَا الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَالرَّاوِي إِذَا أَنْكَرَ الْخَبَرَ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ كَالْأُصُولِ مَعَ الْفُرُوعِ. وَلِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – جَوَازَ النِّكَاحِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ غَابَ بِالشَّامِ. دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَرِوَايَتِهَا لَهُ، أَوْ عَلَى نَسْخِهِ، أَوْ عَلَى رُجْحَانِ مَا ذَكَرْنَا.) هذا كلام خطير وحجة قوية عند الاحناف
ولكن للاسف وجدت هجوم قوي من الشباب في المسجد وكأن ابا حنيفة اذنب في رايه !
وخرجت من هذه الازمة بعدة امور في غاية الاهمية
اولا:- مدي جهل المسلمين بامر دينهم وانهم للاسف لا يقرءون وهم امه اقرا
ثانيا :- السياسة النجسة وكيف تخرب الدين (النقي الخالص) عندما تتحكم فيه وتؤثر علي العقول والنفوس ، وهذا الواقع المؤلم للاسف ، فالامة في كهنوت الفكر الوهابي منذ اكثر من قرن وكيف استطاعت السعودية للاسف نشر هذا الفكر بكل ما اوتيت من قوة مالية ومادية، وكيف اثر هذا الفكر الظاهري علي عقول جيل كامل من الشباب ، حتي ان السياسة لم تترك الصوفية كذلك للاسف ولعبت فيها كما لعبت في الفكر الاسلامي الوسطي المعتدل وحولته الي فكر ظاهري، فالسياسة ملعونة كما ذكر الشيخ / محمد عبده
وللاسف تاثرت الحركة الاسلامية ( الاخوان المسلمون ) في الفترة الاخيرة بالفكر السلفي الوهابي كذلك والعامل في ذلك انه بعد محنة عبدالناصر معهم خرج كثير منهم للسعودية هربا من الوضع في مصر وغيرها من الدول العربية ورجع هؤلاء بفكر مختلف كليا وجزئيا عن فكر الشيخ حسن البنا رحمة الله ( فهم اقرب ما يكونوا السلفية الوهابية من فكر الشيخ البنا)
ثالثا:- غياب دور المؤسسة الدينية المعتدلة ( اقصد الازهر الشريف ) للاسف في ظل غياب هذه المؤسسة الكبري صاحبة الفكر المعتدل التي خرجت علماء افذاذ ، (بسبب لعبت السياسة كذلك ) كان البديل للاسف خروج الفكر الظاهري الداعشي الذي اخر الامة سنوات كثيرة
رابعا :- ما يهمني واخاف عليه اولادنا الشباب الذين يعيشون هنا في الغرب فهم بين المطرقة والسندان ( من اراد منهم التمسك بدينة لن يجد الا السوشيال ميديا مرجعية له وللاسف ٩٩في المائة من المعلومات الدينية مرجعيات وهابية بحته ، ) وقلة العلماء والمشايخ المتخصصين هنا كارثة كبيرة ( عندما يكون لدينا ثلاثة الف مسجد وللاسف من يصعد المنبر يوم الجمعة من اهل التخصص لا يتجاوز ٣٠٠ امام وعالم ، هذه كارثة كبري
اتمني من الازهر ان يعيد دورة الريادي في نشر الاسلام مرة اخري ولن يكون ذلك الا باستقلال المؤسسات الدينية
خامسا :- ادركت اننا حقيقة في ازمة فكرية واننا في حاجة الي تجديد في عقول الامة ولن يكون ذلك الا بالقراءة في لب وامهات كتب العقيدة والفقه وكيف نستطيع ان تستخرج هذه الاراء ونسقطها علي الواقع ؟ .
اقول في النهاية : لقد كان رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم اكثر منا كثيرا تيسرا علي الناس واعلم بامور دنياهم ودينهم ، فياليت الناس يرجعون الي فهمه ونهجه !
الشيخ أسامة أحمد سعد
أمام وخطيب
باحث دكتوراة في العقيدة والفلسفة