تحفيظ القرآن الكريم للأطفال بين رؤية الإمام الأكبر ومزاعم العلمانيين
شيخ الأزهر يرد بالإعلان عن رواق الطفل لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال بداية من سن 5 سنوات
بقلم / محمد عبد العاطي
انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات التي تدعي أن التعليم الأزهري عبء على الأطفال، كما أن القيام بتحفيظهم القرآن الكريم في سن مبكرة ممارسات ضد حقوق الطفل، ومحاولة من القائمين عليها لتحويل أفكار الأطفال إلى توجهات معينة، وزعمهم ان تحفيظ القرآن للأطفال يجعلهم ينتمون إلى فرق متطرفة وجماعات ضالة كالدواعش وغيرهم.
وعلى الجانب الآخر، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، تم الإعلان عن رواق الطفل بمختلف الأروقة الأزهرية وعلى مستوى الجمهورية، وذلك من أجل تحفيظ القرآن الكريم للأطفال بداية من سن خمس سنوات وحتى ثلاث عشرة سنة، فهل جاءت مبادرة فضيلة الإمام الأكبر مع أم ضد حقوق الطفل؟ وما مدى تأثيرها على الطفل؟ دعونا نناقش هذه المشكلة في هذا المقال.
مزاعم خطورة تحفيظ القرآن الكريم للأطفال في سن مبكرة
من خلال أحد البرامج التليفزيونية ادعت الضيفة أنها ضد تعليم القرآن الكريم للأطفال في سن مبكرة، وذلك للأسباب الآتية:
عندما يقرأ الطفل القرآن الكريم في المرحة الابتدائية فهو سرقة لطفولته.
يوجد كمية كبيرة من المدراس التي أنشأتها الجماعات المتطرفة التي تخصص أكثر من ساعة كاملة لتحفيظ القرآن الكريم.
يقوم الطفل بحفظ آيات لا يعرف معناها.
يجب إعطاء الطفل حرية الاختيار، ليكون صاحب القرار في الاتجاه نحو حفظ القرآن أو التوجه نحو غيره من المجالات.
الهوية المصرية لها العديد من الأبعاد والتدين القائم على التسامح جزء منها إلا إن حفظ القرآن في مرحلة مبكرة لا يساير هذا التسامح.
تحفيظ القرآن الكريم للأطفال في سن مبكرة تقييد للحريات، كما أنه ضيق أفق ثقافي حيث يتم تحويل الدين إلى مشكلة شكلية فقط تتمثل في لبس الجلباب والعمامة وإطلاق اللحية.
الدين جوهر لا ينبغي تقييده في مسألة الشكل واللباس.
تحفيظ القرآن الكريم للأطفال في سن مبكرة زاد من محاولات التحريض على العنف كما تحول التعامل مع المرآة إلى أنها موضوع جنسي فقط.
هذه هي أهم النقاط التي أوردتها الضيفة، والتي بسببها تعتبر أن القيام بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال أمرًا يسبب كثيرًا من الأضرار على الطفل، فهل حقًا هي على حق أم أنها ومن يعتنقون مثل هذه الأفكار إنما يروجون لأفكار تريد أن تسلخ المجتمع من هويته، وتتآمر على وطنها من خلال بث هذه الأفكار الضالة والمنحرفة؟
مزاعم العلمانيين والفكر الوسطى المستنير
للرد على مثل أصحاب هذه الأفكار أقول أن أصحاب الفكر المنحرف لا بد أن يمرروا أفكارهم من خلال الهجوم على الإسلام، وكثير ممن يدعون التنوير إنما هم قمة في الضحالة الفكرية والتعصب لأفكارهم الضحلة، لأنه لا يمكن لعاقل أن يقول بإلغاء المواد التي لا يفهمهما التلاميذ، وبناءً على ذلك فلا حاجة لتعليم التلاميذ بعض المواد مثل الحساب والعلوم واللغة الإنجليزية والفرنسية.
كما أن قولهم بإعطاء الحرية للأطفال لكي يقرروا ما يحبون دراسته، ينطبق أيضًا على المواد الأخرى، فهل ينادي هؤلاء بإلغاء الحساب واللغة الإنجليزية والفرنسية بحجة أن التلاميذ في سن صغيرة لا يفقهون مغزاها؟
وفي حين أن مثل هؤلاء يحجرون على غيرهم بمنع تعلم القرآن الكريم، لكنهم لا يقبلون من غيرهم أن يقوموا بإلغاء مادة الموسيقى والرقص، ويتهمونهم بالتطرف والفكر الداعشي.
وكما هي عادة العلمانيين وبقايا الشيوعيين والماركسيين المعروفين بعدوانهم على ثوابت الدين وهجومهم على القرآن والسنة النبوية، ويريدون للشعوب الإسلامية أن تتحرر من هويتها الإسلامية سعيًا وراء تطبيق أعمى لكل ما هو غربي، دون سند أو بيان لمصلحة.
رؤية عالمة اللغويات العالمية د. سهير السكري
وبعيدًا عن رد المتحدثين بلسان الدين، والمدافعين عن الهوية الإسلامية، فإنني أورد رد عالمة اللغويات المشهورة د. سهير السكري رئيس دائرة اللغة العربية بمنظمة الأمم المتحدة، وصاحبة كتاب “محو الأمية في عام واحد” فقد أجرت مقابلة لإحدى القنوات التليفزيونية، أورت فيها جملة من الحقائق التي تخرس ألسنة الطاعنين، وتبين المزايا الحقيقية لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال في سن مبكرة.
توصلت العالمة سهير السكري إلى أن الطفل في البلاد الغربية يجيد أكثر من 16 ألف كلمة، بينما الطفل في البلاد العربية يحسن استعمال 3 آلاف كلمة فقط معظمها من اللغة العامية، وبالتالي فهناك فجوة كبيرة بين قدرات الطفل في البلاد الغربية وقرينه في البلاد العربية، في حين أن تحفيظ القرآن الكريم يجعل الطفل قادرًا على استيعاب ما يزيد عن خمسين ألف كلمة.
وقد ذكرت العالمة سهير السكري أن الغرب عندما أرادوا غزو بلاد الإسلام بحثوا عن سبب تفوق الدولة العثمانية عليهم، وتبين أنه بسبب أن الطفل المسلم يذهب إلى الكتاتيب يتعلم القرآن الكريم ويحفظ ألفية ابن مالك، فقدرته تصبح قدرة عملاقة يتفوق فيها الطفل المسلم عن غيره، وبالتالي فقد قام الإنجليز والفرنسيون بإلغاء الكتاتيب في المناطق التي احتلوها، كما أنهم أنشأوا مدارس اللغات التي يدخل فيها التلميذ في سن السادسة من عمره، وبالتالي فقد الطالب الكثير من سنوات عمره المبكرة، وضاعت عليه الفرصة في اتقانه لتعلم اللغة العربية.
أثر تحفيظ القرآن الكريم الإيجابي على قدرة التلاميذ الاستيعابية والفهم
أجريت العديد من الدراسات، ورسائل الماجستير والدكتوراه على أثر حفظ القرآن الكريم لدى الطفل، وفي رسالة لنيل الماجستير تحت عنوان : “دور تحفيظ القرآن الكريم في توسعة المخزون المفرداتي لدى الطفل” انتهت الباحثة إلى النتائج التالية:
يساهم حفظ القرآن الكريم في صفاء الذهن.
يساعد في تقوية الذاكرة وتطوير القدرة الاستيعابية والفهم لدى التلاميذ.
يحقق الطمأنينة والاستقرار النفسي والهدوء.
يخلق حالة من الفرحة والسعادة الغامرة في قلوب حافظيه.
يخلص الإنسان من مختلف المشاعر السلبية مثل الخوف والحزن والقلق.
التكرار والمداومة على الحفظ يكسب طلاقة وفصاحة وبيان وزيادة في كم المفردات اللغوية.
تأثر الألسنة بلغة القرآن الكريم بتحقيق مخارج الأصوات وتحسين مهارات الاستماع.
يعزز من قوة اللغة العربية وطلاقة اللسان والبيان والتمكن من مواجهة الناس دون تلعثم أو اضطراب.
يساعد في بناء علاقات اجتماعية وكسب ثقة الآخرين.
حق الطفل في التعليم وتنمية المهارات
بشكل عام، إن تعليم الطفل من المُسلَّمات التي أكدت عليها مختلف الأديان، وقد أكدت عليها مختلف القوانين والاتّفاقيّات العالميّة، وعندما نتحدث عن حق الطفل في التعليم، فمن المؤكد أنه حق أساسيّ من حقوق الطفل كإنسان؛ ويبدأ هذا الحق من لحظة ولادته، وصولاً الى مختلف المراحل التعليمة.
وقد نصت اتفاقية حقوق الطفل التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة على حقوق الطفل في التعليم، وبسبب أنه حق محض للطفل تكون الدراسة إلزامية في مرحلة التعليم الأساسي التي تضم المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية.
وأكد الإسلام على حق الطفل في التعليم، وقد ورد في تفسير قوله تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارةُ”، أن عليًا رَضِيَ اللهُ عنه قال: “أي: علِّموهُم وأدِّبوهُم”.
وقد أورد بن القيم رَحِمَه اللهُ في كتابه “تحفة المودود”: “فمن أهملَ تعليمَ وَلَدِه ما ينفعُه وتركَهُ سُدى، فقدْ أساءَ إليه غايةَ الإساءَةِ، وأكثرُ الأولادِ إنَّما جاءَ فسادُهم مِن قِبَل الآباءِ وإِهْمالِهم لهم”.
أراء علماء الإسلام الأقدمين في تحفيظ الأطفال للقرآن الكريم
قرر الكثير من أهل العلم أهمية حفظ القرآن الكريم والمداومة على تلاوته في اكتساب الملكات اللسانية، وتنمية مهارات اللغة، ومن هؤلاء ابن الأثير، وشهاب الدين الحلبي، والطوفي، والقلقشندي، وبن خلدون وغيرهم الكثير.
وقد ذكر ابن خلدون أنه يوجد الكثير من الشواهد التي تدل على أن كلام الإسلاميين من العرب بعد دخولهم في الإسلام أعلى جودة وأحسن بلاغة من كلامهم في الجاهلية، وقد ثبت أن ما ورد من كلام السلف من العرب إبان الدولة الأموية أرفع طبقة وأعلى بلاغة من شعر النابغة وعنترة وزهير وغيرهم ممن اشتهروا من شعراء الجاهلية.
ويرجع ذلك إلى أن هؤلاء حينما أدركوا الإسلام سمعوا درجة أسمى وأعظم بلاغة تمثلت في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فنهضت طباعهم، وتحسنت ملكاتهم، وارتقت كلماتهم في بلاغتها وعلت على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية.
ولا عجب فالقرآن الكريم هو الكلام الفصيح البليغ، الذي أنزله الله تعالى بلسان عربي مبين، وعجز عن الاتيان بمثله أرباب الفصاحة، وقصرت عنه همة البلغاء، وصدق قول الله تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
السطر الأخير
مما لا ريب فيه أن مبادرة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إنما جاءت بسبب حرصه على تعليم أطفال المسلمين ما ينفعهم، ويكون لهم عونًا في دنياهم وآخرتهم، يربيهم على تعاليم الإسلام السمحة، ويحميهم من الأفكار الضالة المنحرفة، كما يحسن من أخلاقهم ومعاملاتهم مع بعضهم البعض ومع آباءهم ومع غيرهم من الناس.
فمن تربى على مدارسة القرآن الكريم إنما يتربى على التحلي بالصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة، ولا يمكن أبدًا أن يكون أداة لمعاول الهدم والتخريب، ولا يمكن أبدًا أن يوصف بالتعصب والتطرف، ولا عجب فقد وجدت مبادرة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر صدىً واسعًا وتم قبول 500 ألف طالب للمشاركة في هذه المبادرة، ولو استمر باب القبول مفتوحًا لتضاعف العدد كثيرًا، وصدق الله العظيم إذ يقول: “كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ” (الرعد: 17).
ولا عجب لمن ينادي بإغلاق صوت القرآن الكريم في المذياع أن يرى أن تعليم القرآن الكريم للأطفال مصيبة ونكسة تحرمهم من طفولتهم وتسرقها منهم، أقول لكم إنكم تأتون منكرًا من القول وزورًا، دعوا القرآن الكريم يسري في أفئدة الصغار عله يصلح من حال المجتمع، ويخرج إلينا لبنات صالحة تسعد بها مصر في حاضرها ومستقبلها!، دعوا مصر تفرح بشبابها وفتيانها الذين تسلحوا بحفظ دينهم وأحبوا أوطانهم بسبب الغرس الذي وضع فيهم وهم لبنات صغيرة.
وقد صدق الله إذا يقول: “بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ” (العنكبوت: 49).
المراجع
-كتاب تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم.
-جريدة الاتحاد: حفظ القرآن في الصغر سر التفوق العلمي في الكبر
-مدونة مفتاح المعرفة : فوائد حفظ القرآن للأطفال
-ملتقى أهل التفسير: أثر تعلم القرآن في اكتساب اللغة والأدب
-دور تحفيظ القرآن الكريم في توسعة المخزون المفرداتي لدى الطفل، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في عموم اللسان
-قناة تن على اليوتيوب
الدكتورة سهير السكري تجيب علي سؤال لماذا يتم محاربة تحفيظ القرآن الكريم للأطفال
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
فعلا استفدت بكثير من المعلومات القيمه