الصراط المستقيم

ليلة يقدّر فيها الأرزاق والآجال

ما زال القطار يسير، أيها الصائم أنت ما زلت في معية الله، ما زالت الأيام المعدودة باقية لم تنقض بعد، ما زلت أيها الصائم في الليالي العشر، فهيا شمر عن ساعد الجد، ربما تكون من أهل ليلة القدر، ربما تتغشاك رحمة الله تعالى، ربما تكون من أولئك المغفور لهم، لا تخرج من رمضان وأنت غير مغفور لك، احرص على حجز مقعدك من الجنة، وكن أشد حرصَا على عتق رقبتك من النار، ومن رحمة الله تعالى أن كانت كل الأيام العشر الأواخر من رمضان أيام عتق من النار، في أي لحظة تتدركك فيها الرحمة، ولو كانت الدقيقة الأخيرة من رمضان، ما أجمل نفحات هذه الليلة، وما أسعد المجتهدين فيها.

فإن مما أنعم الله به علينا، أن منحنا ليلة مباركة، لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، وهي ليلة القدر، فهي عظيمة القدر، جليلة النفع، ولها أعظم الشرف وأوفى الأجر، فيها أُنزل القرآن الكريم: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، وقد باركها الله من فوق سبع سنوات فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.

وقيل أنها سميت بهذا الاسم، لأن الله تعالى يقدّر فيها الأرزاق والآجال، وحوادث العالم كلها، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج، والعزيز والذليل، والجدب والقمط، وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة، ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتتمثله، كما قال سبحانه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، وهو التقدير السنوي، والتقدير الخاص، أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وليلة القدر خير عند الله تعالى من ألف شهر: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، فمن تقبل الله منه عمله فيها، كانت عبادته أفضل من عبادة ألف شهر، وهو ما يعادل ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، فهذا من فضل الله تعالى وكرمه، أنه منحنا هذا الثواب الكبير، والأجر العظيم، على عملنا اليسير الضئيل.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه”، يحييها الصائم تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه، وطلباً للأجر، لا لشيء آخر، والعبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواء علم بها أم لم يعلم، فلتحرص أيها الصائم على الصلاة والدعاء في هذه الليلة، فإنها ليلة لا تشبه ليالي الدهر، فخذ أيها الصائم بنصيبك من خيرها الحَسَن، واهجر لذة النوم وطيب الوَسَن، وجافِ جنبيك عن مضجعك الحَسَن، فلا يمض رمضان إلا وأنت من عتقاء النار، وأنت من المرحومين والمغفور لهم، هي أيام قليلة فيها ليلة لو صحت نيتك وقويت همتك وصدقت عزيمتك، نلت من الأجر أعظمه ومن الثواب أرفعه ومن النعيم أكرمه، فسارع وبادر وصابر وثابر، فليلة القدر خير من ألف شهر>

بقلم / المستشار الدكتور محمد كامل النجار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.