هل جربتي المكرونة بالبيتزا ؟! بقلم : علاء الصفطاوي

بدأت – بفضل الله تعالى – بوادر الاستعداد لشهر رمضان الفضيل، حيث ينتظر المسلمون – على أحرِّ من الجمر تخفيضات الأسواق السنوية والتي تلفتُ الأنظارَ إليها كلّ عام، حيثُ تُعرض بعض المواد الغذائية بأسعار لم يسبق لها مثيل، مما يجعل الإقبال عليها لا نظير له، وتجدُ ذلك واضحاً في الطوابير الواقفة أمام الفروع المنتشرة في المملكة العربية السعودية، ، حيث تطولُ فترة الانتظار في بعض الأحيان إلى ما يقْرب من الساعة والساعتين وأحياناً ثلاث ساعات.
وفي العام الماضي كان الإقبال منقطع النظير على مكرونة من نوع معين حيث وصل سعر الكيس إلى ” ريالٍ ونصف ” ومن هذا المنطلق قامت الشركة المتجة لمكرونة هذا العام بالإعلان عن نوعٍ جديد من البيتزا وهي البيتزا بالمكرونة، وهذه بشرى طيبة لربات البيوت حيث تتيح لهن تقديم وجبة جديدة لم تكن معروفةً لهن من قبل.
هكذا يستعد المسلمون لدخول رمضان بهذه الصورة، والتي تتمثل في البحث عن الأطعمة والأشربة المخفضة وملء الثلاجات بها، ووضع المواد الغذائية الجافة في أماكن التخزين وأحياناً تحت الأسرَّة إذا لزم الأمر، وبمجرد دخول رمضان ومع اليوم الأول منه تتحول مطابخ البيوت إلى حلبات للمنافسة وإظهار المهارات ، والتفنن في الطبخ وإعداد الأنواع المختلفة من الأكلات، ومع انطلاق آذان المغرب تبدأ الأفواه في التهام الطعام، والتثنية بأكل الحلويات وخاصةً الكنافة النابلسية، وعندما تمتلئ البطون تغيب العقول، ويركن الصائم للنوم الطويل، وأحياناً لا يقوم إلا على صوت مَن تناديه : أعددتُ طعام السحور !! فيقوم من نومه فزعاً خشية أن يفوته إحياء سنّة السحور التي حثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتناول سحوره جيداً احترازاً من أن يتعرض للجوع أثناء النهار، ويمضي قطار رمضان على هذه الوتيرة، وتنقضي أيامه ولياليه، في تناول الطعام والشراب والحلويات، إضافة إلى العزومات !!.
إضافة إلى متابعة البرامج التافهة والمسلسلات الماجنة التي صُوِّرت خصيصاً لرمضان، من أجل إلهاء الصائمين، وإبعادهم بكل وسيلة عن طاعة رب العالمين، وإذا كان العالم الصهيوصليبي يشنّ حملاته على الإسلام طوال العام ، فإنه يُكثف تلك الحملات خلال شهر رمضان، مستغلاً أبواق العُهر ومنافقي العصر ومرتزقة الإعلام لتشويه تلك اللوحة الإيمانية الجمالية الرائعة وتحويلها إلى صورة مشوهة. فنرى شهر الصيام هو أكثر الشهور إنفاقاً على الطعام والشراب، وأكثر الشهور متابعة للفضائحيات، وتضييع الأوقات، والسهر في غير طاعة الله .
فكيف كان حال سلف الأمة الكرام في شهر الصيام ؟!
كان ليلهم قيام ونهارهم صيام، يتلون القرآن ويتدبرون معانيه ويدركون مغازيه، ويحفظون أوامره لينفذوها، ويتعلمون نواهيه ليجتنبوها، فهم يدركون تمام الإدراك أن رمضان شهر القرآن، وأن القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة، وفي الربط بين القرآن والصيام عظيم الدلالة على العلاقة الوثيقة بينها، فما يُذكر شهر رمضان إلا ويذُكر معه القرآن، ونعلم أن جبريل عليه السلام كان يُعارض النبي صلى الله عليه رسلم بالقرآن في رمضان، وعارضه به مرتين في العام الذي قُبض فيه صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه إشارة لرسول الله بقرب أجله .
كما أن رمضان يرتبط ذكره بقيام الليل، وإحيائه بالصلاة وتلاوة القرآن، والوقوف بين يدي الله تعالى في خشوع وتدبر، أملاً في مغفرة الذنوب والقرب من علّام الغيوب، والسلف كانوا يتنافسون في قيام رمضان، محققين قول الحسن البصري : مَن نافسك في الدنيا فألقها في نحره ومن نافسك في الآخرة فنافسه فيها. وعندما نظر الرافعي – رحمه الله – إلى رمضان وتأمل في المقصود من صيامه، أطلق عليه ” مدرسة الثلاثين يوماً ” وكان يعلم أن مناهج هذه المدرسة هي الصيام والقيام والقرآن، فكانوا يُحسنون الصيام فلا يلوثونه بغيبةٍ أو نميمة، ويحسنون القرآن تلاوةً وتطبيقاً ، ويحسنون القيام خشوعاً وتأدباً بين يدي ربهم .فمتى يعود لنا رمضان الذي نقرأ عنه عند سلف الأمة ، ومتى نترك التكالب على الطعام والشراب، بعد أصبحت مجتمعاتنا استهلاكية أكثر من المجتمعات الأوروبية، التي تعلمنا منهم هذه العادات السيئة ، وأصبحنا نفكر في ملء بطوننا .. ولا نفكر في تزكية أرواحنا !!!!
