تقارير وتحقيقات

أسرار الغجر..

كتب/خالدطلب عجلان

 

لو لم يكن مجتمع الغجر منجماً للحكايات الشعبيّة لما شغل بال الأدباء والشعراء والقصّاصين، ولما أسال الكثير من الحبر طوال العقود الماضية، ولو لم يكن هذا المجتمع ثرياً بالغرائب والعجائب والفنّ لما تناوله الأديب الفرنسي “فيكتور هوغو” في روايته التاريخية أحدب نوتردام، وما عبّر عنه المؤلف والعازف الفرنسي الشهير “جورج بيزيه” في “أوبرا كارمن”، وما مجّده الروائي الروسي مكسيم غوركي في رائعته الأدبية “الغجر يصعدون للسماء” والتي تحولت إلى فيلمٍ يحاكي هذا العالم الساحر.

 

إن الغجر هم مجموعة من البشر يعشقون العيش بحرية بعيداً عن قيود المجتمع ومقصلة القانون، وعليه فإنه من الصعب تصنيفهم كجماعاتٍ سياسيّةٍ أو اجتماعيّةٍ أو عقائديّة أو حتى جماعاتٍ تحلم بوطنٍ تعيش في كنفه.

 

لطالما اهتمّ المؤرخون والروائيون والباحثون وعلماء الأنثروبولوجيا وصنّاع السينما والدراما بحكايات الغجر وتقاليدهم ونمط حياتهم، نظراً لما تتمتع به هذه المجموعة من موروثٍ ثقافي واجتماعي وفني عظيم.

 

من هم الغجر، من أين جاؤوا وأين استقرّوا؟ ما هي عاداتهم وطقوسهم؟ هل يعيشون بمفردهم بسبب اضطهاد المجتمع لهم أم رغبةً منهم في العزلة؟ ما هي ثقافتهم ومصدر رزقهم؟ ولماذا شغلوا العالم بقصصهم؟

 

الصور النمطية والانتشار

 

عندما نسمع كلمة غجر أول ما يتبادر إلى الأذهان الصورة التقليديّة الراسخة عن تلك المجموعات الموسيقيّة الراقصة، أو هؤلاء القوم الذي يرتحلون من بلدٍ إلى آخر بحثاً عن لقمة عيشهم في الموالد الشعبية، لكن الاستمتاع بأشعارهم وقصصهم وموسيقاهم المميزة، لم يبدد عنهم الصورة النمطية التي تلاحقهم: أشخاصٌ همجيون، فوضويون، خارجون عن القانون لكونهم يعيشون على السرقة والترحال، ويكسبون قوت يومهم من السحر والشعوذة وقراءة الطالع، وغيرها من الصور السلبية التي ساهمت في تعزيزها الدراما والسينما العربية.

 

من أين أتى الغجر؟ تعتبر الكاتبة الأميركية “ايزابيل فونسيكا” بأن وطنهم يكمن في أيّ مكانٍ في العالم: “كل مكان يمكن أن يكون وطناً لهم”.

 

هناك عدة روايات مرتبطة بأصل الغجر وانتشارهم في العالم، ويرجّح البعض أن تكون هذه الجماعات قد زحفت من الهند إلى شتّى بقاع الأرض، كما يذكر المؤرخ والباحث “جمال حيدر” في كتابه “الغجر ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب”، وذلك بعدما تعرّضت مناطق الغجر في جبال هندكوش وعلى سفح جبل بامبر، للغزو الممنهج والاضطهاد الدامي في مطلع القرن الثامن عشر.

 

بشكلٍ عام، ينقسم الغجر إلى قسمين أساسيين: “الدومر” الذي يعيش معظمهم في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والعراق وإيران والهند وتركيا وأفغانستان القوقاز وروسيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا، و”الرومن” الذين يتركّزون في أوروبا الشرقية، وفي حين أن ديانات الغجر في أوروبا وأميركا وأفريقيا هي المسيحية، فإن ديانتهم في آسيا هي الهندوسية وفي المنطقة العربية والبوسنة والهرسك هي الإسلام، بمعنى آخر فإن ديانة الغجر تختلف بحسب المجتمعات التي استقرّوا بها.

 

هاجر الغجر من الهند قاصدين مناطق متنوعة في قارات العالم الست، بعضهم فرّ إلى أوروبا ووسط آسيا، وبعضهم الآخر قصد إفريقيا والمنطقة العربية، وتقاسموا تفاصيل الحياة مع الكثير من الشعوب، أثروا فيها وتأثروا بها، وفي حين نجح البعض منهم في عملية الاندماج، فضّل البعض الآخر العزلة عن المجتمع، خاصة بعد سلسلة الأحداث الأليمة التي تعرض لها الغجر خلال السنوات الماضية، فالمجموعة التي عاشت في ألمانيا تعرّضت لانتهاكاتٍ من النازيين على يد “هتلر”، والذي قيل أنه قتل أكثر من 220 ألف غجري حرقاً في أفرانٍ شبيهة بمحرقة “الهولوكست”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى