جدلية غياب القيم الإنسانية في المجموعة القصصية لـ محمود الديب
جدلية غياب القيم السامية التي تميز الإنسان عن كافة المخلوقات الأخرى أحد أهم الجدليات التي تحاول التصدي لها الكثير من الأعمال الأدبية وعلى مدى عقوم ، سواء كانت شعراً أو نثراً أو خاطرة ، لكن منظومة الأخلاق التي يتم التباكي عليها ربما لا يدخل فيها قيمة ” الحنان” ، فخلق مثل المروءة والحياء والشهامة والكرم ، من الأخلاق التي يرثى لفقدانها وعدم شيوعها ، لكن الحنان يفضح العصر الذي يغشانا في تلك السنوات ، فالمادية تسيطر على الجميع ، أشخاص متجاورين لكن لا يسمع أحدهما الأخر كلمة تروى إنسانيته فقط كلمات جافة ، في حين من يتواصل معه عبر الأثير وآلاف الكيلوات يسمع منه أعذب الكلمات ، لقد نجح الكثير في تصحير النفوس البشرية التي تتحلق حوله وتغذي روحه وارتضى أن يشبع نفوس بعيدة تتسم بالهلامية ويتعهدها بالسقيا لتصبح بساتين .
ما أحوجنا في تلك الأيام إلى إشاعة ثقافة الحنان ، ولا يمكن أن تسود تلك القيمة التي يفتدها إنسان العصر إلا بعد أن يتعلم من “الأم” فهي مصنع الحنان على كوكب الأرض سواء كانت من البشر أو حتى من الحيوانات فكل كائن على هذا الكوكب ( أنثوي ) ينتج هذه القيمة النورانية والروحةي الذي تجعل للحياة معنى وقيمة.
(رحيل الحنان) عنوان المجموعة القصصية الأولى للقاص محمود الديب ،وتتألف من أكثر من 40 قصة ما بين القصة الومضة والقصص القصيرة . لم يتحدث المؤلف في مجموعته عن غياب الحنان بل رحيله ، فهل يعود هذا الحنان ، ربما هناك أمل في اقناعه بالعودة ، فمن الصعب والمؤلم والموجع تصور الحياة بدون الحنان ، فالإنسان بدون حنان ربما يتحول إلى وحش أو جماد ، فما أجمل أن تمنح غيرك الحنان وتراه في العيون والقلوب وتحس به يتسرب إلى أرواح من حولك ليزيد من نشوة الحياة.
المجموعة تقع في خمسون صفحة من القطع الصغيرة، وقدم لها الكاتب تحت عنوان العودة للكتابة ، حيث قال في مقدمته ( مجموعتي القصصية الأولى مثل همسة لكل كاتب أو قاص أو شاعر للعودة إلى الكتابة.. فلا حجة لدى أيٍّ من المبدعين.. فالفرصة سانحة والعالم كله بانتظار كلماتك وأفكارك).
أشاد بالمجموعة على الغلاف الأخير للمجموعة الشاعر والقاص السعودي سعود آل سمرة ، فقد أشار إلى أنها تلامس الهم الإنساني وصنفها ضمن أنواع السريدات التي تمتاز بتكثيف اللغة والمفارقة الومضة ، ونجح المؤلف في الخروج بنصوص قوية ومفارقات لامست شغاف النفس البشرية . وحفز ” آل سمرة ” القاريء بدعوته لقراءة المجموعة القصصية للاستمتاع بالأدب الراقي الذي ينضح من كل حرف من حروفها .
عناوين بعض القصص ( شواذ، خريطة ، قلم ، بكارة ، صداقة ، أنين الرياح، الآخر .. أنا ، عام جديد ، إباحي ، توبه، ظلام ، سكتة ، ترنيمات جنائزية ، أعجبني الموت ، سرير ، حب ، حلم ، سكرات ، الأخ الأكبر ، الأب الغائب ، أولادنا ، شعب الله ، ابتسامة باهتة ، يمام ، إرضاع ، الملائكة ، صفعات، صوت الأرض).
مقطتفات من المجموعة تحت عنوان عُرفي:
قالت: أريد أن أتزوجك “عرفيًّا”.
قال: ألا تريدين أن تشهري زواجنا!
قالت: لا.
قال: إذن تريدين أن تلعبي بي.
قالت: الحياة كلها لعبة وما أجملها عندما تتحول إلى لعبة!
قال: آسف جسدي ليس للعب.