غرفة الإنعاش الاقتصادي
بقلم / أحمد يسري جوهر
عندما يرغب الاقتصاديين في توثيق دقيق لمقارنة بين الدخل في زمانين مختلفين ، شهدت احدهما اضطرابا في الاسعار ارتفاعا او هبوطا ، فإنهم بلجأون الى المعنى الوظيفي لمفهوم الدخل و هو ماذا يستطيع المواطن شراؤه بقيمة دخله من المنتجات و هو مفهوم ( حزمة السلع و الخدمات ) و الذي يعكس القوة الشرائية الحقيقية لامواله .
و يتجاهل معظم المهتمين بالشأن العام متغير ثالث في مسالة الاسعار و هو مكان الدراسة ، لان مقارنة بين شيء واحد في زمانين مختلفين ( متغيرين فقط ) اسهل و اسرع بكثير من مقارنة اربعة اشياء ببعضهم البعض مقارنة صحيحة و هم الاسعار في زمانا ما و زمانا اخر في الدولة الاولى ، و الاسعار في زمانا ما و زمانا اخر في الدولة الثانية .
و هذا التجاهل سواء كان لدواعي العجلة او لهوى في نفس المتناول لقضية الاسعار فهو ينتقص من مصداقية وصحة نتيجة المقارنة . كرجل مريض بدائي الضغط و ارتفاع السكر فارتفع ضغط الدم ، وطلب من طبيبه علاجا فوريا ، فسلمه مشروب عصير طبيعي يهدا يخفض ضغطه لكنه مرتفع السكريات دون ان ينبه مريضه . و قد كان للطبيب ان يخطر المريض ان عليه حرق السكريات التي توضع بعبوة العصير و الا سيتضرر جزء اخر في جسده و يعود مرة اخرى للطبيب بعد قليل من تناول العلاج .
و قد كان للاقتصاديين ان يرشدوا المتهتمين بالشأن العام و كذلك متخذي القرار بضرورة اعتبار المكان ( المتغير الجغرافي ) عند اي مقارنة . لكن هناك سؤالين مهمين : ما هو الشيء الذي يتغير من دولة لاخرى ، و كيف يمكن صياغته في شكل عملي ينعكس على اداء الحكومة و المواطن .
علما بأن المتغير المكاني او الجغرافي نفسه متغير ، فهو يتركب من :
اولا : تشريعات وسياسات الدولة في مسألة اجور المواطنين كتشريعات منظمة للعلاقة بين اصحاب الاعمال و العمالة ، حيث تخضع كل منظقة جغرافية لحكومتها ، و تنفرد حكومتها بفرض نظامها دون الدول الاخرى ، و لو دولة اخرى على حدودها مباشرة .
و ثانيا : سياسات القطاع الخاص مع العمالة ، و تحديدا ( تشجيع ربط الدخل بالانتاج ) . و لتنفيذ كلا منهم نتيجة عظيمة في زيادة ما يحصل عليه المواطن من المنتجات بقيمة دخله .
شرع الرئيس السادات رحمه الله في سياسات الانفتاح الاقتصادي سنة ١٩٧٤ بعد اثنين و عشرين عاما من خروج مصر من النظام الملكي ، و هي مدة في قياسات التاريخ ليست بطويلة ، لكن تمر الايام الصعبة كسنوات لمن كان في غفلة من احواله و لم تحمل له هواه ، بدا الرئيس في رحلة إلحاق مصر بالتنافس في الاسواق الدولية ، و فقط آنذاك ادرك شعب الدولة التي كان يحكمها – رحمه الله – ان اسعار المنتجات الغذائية و التي مازال يستورد جزء كبير منها اعلى من قدرته على الإنتاج . وبالفعل مصر تخطو في مرحلة ثانية من احتضان الاستثمارات الاجنبية ، و تحدبد الاسعار تلقائيا بالاسواق دون تدخل الحكومة .
والسؤالين اللذين وجب على الراغب في ادراك الواقع و تقبل المستقبل ان يطرحهم دوما على ذاته، مع الوضع في الإعتبار ان العودة للوراء في السياسات الحكومية مسالة شاقة ومستبعدة ، هما :
-ما الذي يلزم على المواطن فعله لمواجهة سيناريو تقارب الاسعار المحلية للمنتجات الاساسية مع اسعار السوق العالمي ؟
-هل من المستبعد ان يكون المواطن المصري بعد مراحل مساعي حكوماته مواكبة اسواق العالم اقدر على الحياة ،ام لا خلاص من اعتمادية المواطن على الدولة : ليسكن ، ويأكل ،ويتعلم ، ويتعالج .
ليست الفترات القاسية الا حجزا انفراديا لرجل في غيبوبة الاتكاء على الدولة ، حجرا كلما طال وصح الدواء و احسن الطبيب ، خرج المريض سليما ، والاهم اكثر قدرة على البقاء في بيئته و كذلك تمتعا برفاهة غير مزيفة .
السبت 9 اكتوبر 2021