عن الإنسان (5).. الإنسان منظومة حية
بقلم / الدكتور أمين رمضان
موضوع فهم الإنسان، ودراسته من مختلف الجوانب، له أهمية قصوى في الحياة، لأنه مرتبط بتفكير ووجدان وسلوك الإنسان، وتفاعله مع الآخرين، ومع البيئة التي يعيش فيها، وتأثره بهم وتأثيره فيهم.
ويعتبر ابن القيم (هو أبو عبدالله شمس الدين، محمد بن أبي بكر ولد سنة 591 هجرية وتوفى سنة 751 هجرية) علم من أهم الأعلام في فهم الإنسان، فقد اهتم ابن قيم الجوزية بمختلف الجوانب التي يتكون منها الإنسان (الجسمية والروحية والعقلية والوجدانية والسلوكية). وتتسم آراءه ومواقفه الفكرية بالعمق والنظرة الصائبة في أغلب الأحوال.
النموذج الخماسي للإنسان
لذلك سيكون النموذج الخماسي للإنسان في منظور ابن القيم هو منطلقنا في رحلتنا داخل كل منا، ودعونا أولاً نلقي نظرة سريعة على الجوانب الخمس لهذا النموذج.
فالجانب الجسمي: هو ميدان لعلوم متعددة مثل الطب والصيدلة والوراثة والتغذية؛ هذا الجانب تؤثر فيه الوراثة والغدد الصماء وغير الصماء والجهاز العصبي ومختلف الأعضاء الحيوية بالجسم.
والجانب الروحي: أيضا متعدد الجوانب فمنها مايتعلق بحقيقة الروح وارتباط الروح بالبدن، ومنها ما يتعلق بتأثير القوى الغيبية في الإنسان، ومنها ما يتعلق بتأثير الإعتقاد في التفكير والسلوك، ومنها مايتعلق بالعلاج الروحاني.
أما الجانب العقلي: فهو ميدان علوم مختلفة مثل علم الأعصاب وعلم النفس العصبي وعلم النفس العام وعلوم التربية.
أما الجانب الوجداني: فهو ميدان أيضا لعلوم مختلفة مثل علم النفس والشعر والفنون بصفة عامة والطب النفسي والطب العام، بعض هذه العلوم يهتم بالأصل الجسماني للإنفعالات كتأثير الغدد والهرمونات بينما يهتم البعض الآخر بتأثير الجانب العقلي والإدراك في نشوء الانفعالات وتصريفها وفق إدراك معين، بينما يكتفي البعض بوصف الإنفعالات فقط دون الدخول في أسبابها.
وأخيراً، فإن الجانب السلوكي هو تعبير لتفاعل وتبادل التأثر والتأثير الذي يتم بين مختلف الأبعاد التي تشكل شخصية الإنسان، وقد يتخذ هذا التعبير شكل السلوك الفردي أو الثنائي أو الجماعي أو الاجتماعي.
وهذا النموذج يقوم على بعض المسلمات من أهمها:
- تفاعل الأبعاد الخمسة المذكورة.
- تبادل التأثر والتأثير بين هذه الأبعاد.
- عندما يضطرب بعد واحد، فإن ذلك يؤثر سلباً في الأبعاد الأخرى أو بعضها ولو بنسب متفاوتة.
- عندما يضطرب بعد تتجند باقي الأبعاد كلها أو بعضها ولو بنسب متفاوتة لمعالجة هذا الاضطراب، وإعادة التوازن للشخصية وفق قانون تداعي الأعضاء المذكور في الحديث الشريف: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى” (رواه البخاري في كتاب الآداب، رقم الحديث 5665؛ رواه مسلم وغيره بألفاظ أخرى).
- هذه الأبعاد مثل ألوان الطيف السبعة، فمجموعها يشكل لوناً آخر وهو اللون الأبيض الذي يختلف تماماً عن لون كل طيف منفرد. كذلك الإنسان هو مجموع الأبعاد الخمسة، وهو مختلف تماماً عن كل بعد على حده.