الصراط المستقيم

في ذكري مولده .. الإمام الحافظ المحدث الفقيه البخاري ودعاء أمه

البخاري كان يختم القرآن مرة كل يوم.. وأوقف حياته لإحياء السنة المحمدية

إعداد- سعيد حسن

في ذكري مولد الإمام الحافظ المحدث الفقيه البخاري، الذي ولد يوم الجمعة ٢٠ يوليو ٨١٠ ميلادي الموافق ١٣ من شوال ١٩٤ هجري، والذي يعد إمام الأمة وأمير المؤمنين في الحديث، حفظ القرآن منذ نعومه أظافره، وجمع أكثر من ستمائة ألف حديث شريف، تحلي بالورع والتقوي، وسخر حياته وقفا لإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مجدا في تحصيل العلم وتأليف الكتب، وبفضل تفانيه وإخلاصه لإحياء السنة المحمدية قدر لكتابه الذيوع والانتشار في كل بلاد العالم الإسلامي.. “صحيح البخاري”.

هو أبو عبدالله بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة الجعفي البخاري، وبردزبة تعني بالعربية “ابن الفلاح”، أصله فارسي، ولد ببخاري ، احدي مدن اوزبكستان، ونشأ يتيما وأخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة من عمره.

رحلاته

إبتداء البخاري رحلته بمكة المكرمة مهبط الرسالة ليؤدي فريضة الحج فخرج وامه وأخوه أحمد سنة ٢١٠ هجرية، وأقام بمكة المكرمة يطلب العلم ورجع اخوه أحمد الي بخاري، وفي مكة سمع من أبي الوليد أحمد بن محمد الازوق وإسماعيل بن سالم ثم اتجه بعد ذلك إلي المدينة المنورة في دار الهجرة، وفي رحاب المسجد النبوي الشريف بجوار صاحب الرسالة عليه الصلاة و السلام ، بدأ تأليف ما وفقه الله إليه فصنف قضايا الصحابة والتابعين ثم صنف التاريخ الكبير، وسمع نحو ألف شيخ وأخذ الدين عنهم وجمع نحو ستمائة الف حديث ومكث في المدينة سنة، ثم رحل بعدها إلي البصرة وأقام بها ٥ سنين، وكان يتردد على مكة أيام الحج، ويقول البخاري: “دخلت الي الشام ومصر والجزيرة مرتين وإلي البصرة ٤ مرات واقمت بالحجاز ٦ أعوام ولا احصي كم مرة دخلت إلي الكوفة وبغداد مع المحدثين.

إحياء السنة

اما عن ورع الإمام وتقواه فحسبك أن تعلم أنه كان يختم القرآن مرة كل يوم، وقف حياته علي إحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان صواما وزاهدا يطيل التهجد ويكثر الإستغفار والذكر وقدر لكتابه الانتشار في كل بلاد العالم الإسلامي، مناقبه منقسمة إلي حفظ ودراية، واجتهاد في التحصيل ورواية، ونسك وافادة وزهد، وتحقق وإتقان وتمكن وعرفان، تتلمذ علي يديه أئمة مثل الإمام مسلم وابن خزيمة والترمذي.

رؤية أمه

وروى المؤرخون أن بصر البخاري أصيب وهو صغير فرأت أمه فيما يري النائم أن خليل الله إبراهيم عليه السلام، قال لها: إن الله – عز وجل- قد رد ولدك بصره لكثرة دعائك له.

وفي الصباح استيقظ الطفل الصغير وإذا بالنور قد عاد إلي  عينيه، وكانت امه مستجابة الدعاء، وتوفي أبوه وهو صغير ونشأ في حجر امه الطيبة، فكانت  تدعو وتصلي وتبكي وتتضرع إلي الله وتسأله العفو والشفاء لفلذه كبدها حتي تحقق المراد.

إمتحان

يروي ابن حجر عن قوة الحفظ لديه:  إن البخاري دخل بغداد فسمع عنه أصحاب الحديث، فدبروا له طريقة يمتحنونه بها، وجاءوا بمائة حديث وقلبوها، فجعلوا سند حديث سندا لحديث آخر، ثم أعطوا كل عشرة أحاديث علي هذه الصورة لعشرة رجال، وحضروا مجلس الإمام البخاري وبدأو يسألونه عن هذه الأحاديث، واحدا واحدا حتي انتهي المائة رجل من السرد، والبخاري يقول لكل واحد منهم، لا أعرف هذا، حتي ظنوا به العجز التام، وأنهم قد كشفوه لا محالة، ولكن ما أن انتهوا من استجوابه حتي انبري للأول قائلا : أما حديثك الذي قلت فيه كذا فهو به كذا، وحديثك الثاني صوابه كذا، واستمر يصحح أسانيد الأحاديث التي امتحن فيها، حتي أتي علي اخرها مائة حديث كما حفظها، فلم يجدوا أمام هذا التمكن إلا للاذعان والتسليم للبخاري وحده بالفضل.

قيل عنه

قال الترمذي: ” لم ار في الملل والرجال أعلم من البخاري”.

وقال ابن خزيمة: ” ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من محمد بن إسماعيل البخاري”.

وجاء مسلم بن الحجاج وقبله بين عينيه وقال: ” دعني أقبل رجليك يا أستاذ الاستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله”.

قال أحد الشعراء:

صحيح البخاري لو انصفوه       لما خط إلا بماء الذهب

هو الفرق بين الهدي والعمي     هو السد بين الفتي والعطب

قال الإمام الذهبي: ” أجل كتب الإسلام واصحها- بعد كتاب الله تعالى- هو الجامع الصحيح للإمام البخاري “.

قال العلماء: ” إن أول من صنف الفقه الإمام مالك في موطئه، وأول من كتب في التفسير ابن جريج، وفي السير المغازي محمد بن إسحاق، وفي الزهد والرقاق عبدالله بن المبارك، فأراد الإمام البخاري رحمه الله أن يجمع هذه الفنون الأربعة في كتاب ويجرده من الأحاديث الضعيفة، ويخصه بالمرفوع المسند الصحيح الإسناد، فقد كان العلماء قبله يجمعون الصحيح والضعيف، تاركين التمييز بينهما إلي معرفة القارئين في ذلك الزمان.

من أقواله

قال: رحمه الله “المادح والذام عندي سواء”

وقال: ” أرجو أن ألقى الله تعالى، ولا يطالبني أني أغتبت احدا”

قال عند موته: ” لا أعلم في مالي درهما فيه شبهة”

في ذكري مولده .. الإمام الحافظ المحدث الفقيه البخاري ودعاء أمه 2

صحيح البخاري

أول كتاب من كتب الحديث اقتصر علي الصحيح وقد رتبه الإمام  ترتيبا يدل علي عمق فقهه وعلمه ومنهجه، حسب موضوعات الأحاديث لا حسب اسانيدها، وقد بدأه بفضل عن بدء الوحي، وانهاه بفضل عن التوحيد، فكانه يريد أن يقول من أراد أن يخرج من الدنيا علي التوحيد فعليه بالوحي وما بين بدء الوحي وكتاب التوحيد الإسلام كله.

وفاته

وعلي الرغم من مكانة البخاري وعظم قدره في الحديث، فإن ذلك لم يشفع له عند والي بخاري، فأساء إليه، ونفاه بعيدا عن موطنه، فظل صابرا في منفاه علي البلاء حتي لقي الله ليلة عيد الفطر المبارك يوم ٣٠ رمضان عام ٢٥٦ هجري، و٨٦٩ ميلادي، عن عمر ناهز ال ٦٢ عاما ودفن في سمرقند بأوزبكستان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.