الصراط المستقيم

محو الأمية القرآنية “2”

كتب/ هاني حسبو.

مازلنا نعيش أجواء القرآن ومحاولة تدبره وفهمه على النحو الذي أنزله الله تعالى لنستفيد من قراءته في هذا الشهر الكريم.

تعرفنا في اللقاء السابق على أول خاصية من خصائص القرآن الا وهي أنه كتاب “يقيني” أي أنه صدق ويقين ولا شك فيه ابدا.

الخاصية الثانية للقرآن هي أنه كتاب”مصيري”.

وهذا يعني أنه يتحدث

معك عن مصيرك الأخروي! انتبه، فإعراضك عن هذا القول قد يؤدي بك إلى الخلود في جهنم! وما أدراك ما جهنم! فيحدث له صدمة.

وهذا ما كان يحدث مع العرب عندما كانوا يسمعون القرآن، هم سابقًا كانوا يتغنون بالشعر وينظمونه في قضايا مختلفة ويقول الشيء وعكسه، وفجأة جاءه خطاب يقيني وخطاب مصيري يخاطبه هو: “انتبه؛ إذا تعاملت مع هذا الخطاب على كونه خطابًا عاديًا فسوف يكون مصيرك الضياع، أنا أكلمك عن مصيرك أنت، فهذا القرآن قول فصل وليس وجهات نظر”.

أتعرفون عندما يكون هناك قضايا نقاشية ويكون هناك اختلاف في وجهات النظر ولكل منا رأيه وينتهي اللقاء بابتسامات باردة ومقولة: “ونختتم الحديث بقولنا هذه وجهات نظر وما تريدون أن تتبنوه تبنوه..”، لكن القرآن لا يتعامل بهذا المنطلق، حتى عندما يقول تعالى: ﴿فَمَنْ ‌شَاءَ ‌فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]، يستعمله بأسلوب التهديد فيتبعها مثلًا بقوله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: 29]، هذا الكلام يقال له بعد قول: هل تريد أن تكفر؟ إذًا، فاكفر لكن النار ستنتظرك وسوف تستغيث ويأتيك الماء الذي ﴿كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 29]، ويتركه يعيش في هذا الجو من الرهبة الذي خلَّفته الآيات!”محاضرة للدكتور احمد عبد المنعم بعنوان مميزات الخطاب القرآني”.

فتخيَّل أنَّ القرآن يخاطبك يقينيًا ومصيريًا ويحدثك عن مستقبل غامض بالنسبة للمُعرِض، والعجيب أنَّ هذا المستقبل الغامض الإنسان من داخله يُدفَع دفعًا للتفكير فيه،

الإنسان بطبعه يفكِّر في المستقبل، وماذا سيحدث لنا حين نموت وللدنيا مستقبلًا، وهي من القضايا التي شغلت الإنسان كثيرًا، فعندما يأتيه خطاب يحدثه عن هذا المستقبل الذي كان غامضًا بالنسبة له ويحدثه عنه بصورة يقينية ومصيرية؛ فإنَّ الإنسان هنا يهتز من الداخل، يصيبه كما قال جبير بن مطعم: “كاد قلبي أن يطير” … محاضرة للدكتور احمد عبد المنعم بعنوان مميزات الخطاب القرآني.

الخاصية الثالثة للقران وهي أنه كتاب “فوقي”.

الخطاب القرآني: خطاب فوقي، أو أنك تشعر أنه من خارج النفس البشرية أو من علٍ -من أعلى-، ويمكننا أن نقول أنه خطاب مُهيمن، من فوق.

القرآن لا يحمل خصائص النفس البشرية، لا يوجد نفس بشرية يمكن أن تتحدث بهذا الكلام وهذه القوة وبهذا اليقين والحتمية وتخاطب بثقة، فالنفس تتقلَّب وتمر بظروف قوة وضعف، ونوع من الذِّلة وأحيانًا من الانتصار، تتقلب باستمرار.

فهو خطاب مَنْ أحاط بالنفس البشرية وعَرِفَ دواخلها وخوارجها، وليس نابعًا منها، فالنفس لا تستطيع أن تقول مثله.

لو أخذنا مثالًا: المسلمين في مكة كانوا في قمة الاستضعاف وقمة التعذيب ولا يوجد أي بارقة أمل في الأفق، لكن حين تقرأ القرآن المكي تجد به يقينًا بالغًا في القسم على البعث واليقينيات بالنصر، فكيف له أن يخرج مثل هذا الكلام، كيف يقول: ﴿‌تَبَّتْ ‌يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد: 1]، فكيف يخرج كلامًا بهذه القوة وهذا اليقين من نفس مستضعفة لا ترى الأمل؟

القرآن كسر حواجز الزمان والمكان، وتكلَّم عن الكون الواسع، والتنقل العجيب بين عالم الشهادة وعالم الغيب! لكن النفس البشرية لا تستطيع أن تفعل هذا الأمر.

وإلى لقاء اخر مع محو الأمية القرآنية.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.