مفهوم الكون الكبير (59) الجنة دار النعيم: حول أبواب الجنة
بقلم: د.سعد كامل
أبواب الجنة في الحديث الشريف
الذي يقرأ قوله صلى الله عليه وسلم حول السبيل إلى أبواب الجنة الثمانية يفرح فرحا كبيرا، ففي هذا الحديث -الذى رواه الشيخان- فيه البشرى لمن يريد ان يدخل من أي أبواب الجنة الثمانية:
-ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنفق زوجين في سبيل الله من ماله، دُعيَ من أبواب الجنة، وللجنة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دُعيَ من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دُعيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الصيام))، وفي رواية: ((ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الريان))، وروى ابن كثير في النهاية أن أبو بكر رضي الله عنه قال: والله ما على أحد من ضرر دُعيَ من أيها دُعي، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)). فمن اجتمعت فيه خصال الخير المذكورة في الحديث فهو من أهل هذه البشرى النبوية.
-وروى مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، وأهل السنن عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)).
-وفي حديث الشفاعة المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء قوله: ((…. فيقول الله يا محمد: أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر))، ثم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم سعة أبواب الجنة بقوله: ((والذي نفس محمد بيده: إن بين المصراعين من مصاريع الجنة، أو ما بين عضدتي الباب، كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى))، وروى الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن سلام: ((إن ما بين المصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة، يُزاحم عليه كازدحام الإبل وردت لخمس ظما)) كما جاء في السلسلة الصحيحة للألباني (4/ 273).
-ويستكمل مقال (موقع إسلام ويب عن أبواب الجنة) بقية أسماء أبواب الجنة بقوله: يقول ابن حجر: وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة … وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها” باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس… ومنها: باب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولاعذاب. وأما الثالث: فلعله باب الذكر، فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم.
أبواب الجنة في القرآن الكريم
وقد جاء في القرآن الكريم ذكر أبواب الجنة في قوله تعالى من سورة ص: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50))، وفي قوله تعالى من سورة الرعد: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24))، وفي قوله تعالى من سورة الزمر: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73))، ويتضح من هذه الآيات تكريم الخالق سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين بجعل أبواب الجنة مفتوحة في استقبال وفد الرحمن عند دخول الجنة، وأن تلك الأبواب يدخل منها الملائكة الموكلين بالنعيم، كما أن هؤلاء الملائكة الكرام يستقبلون المؤمنين بالسلام عند دخولهم دار النعيم.
أما عن فتح أبواب الجنة في رمضان فقد جاء في الصحيحين ومسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء))، وفي رواية: ((فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار))، ففي كل عام تتاح الفرصة الكبيرة لعباد الله المؤمنين أن يحجزوا أماكنهم في رحاب جنة النعيم، نسأل الله أن يكتبها لنا ولجميع المؤمنين.
ربط أبواب الجنة مع مفهوم الكون الكبير في ضوء كلام العلماء:
توقف كاتب هذه السطور كثيرا عند الجمع بين ما يمكن فهمه عن أبواب الجنة مع إطار مفهوم الكون الذي تطرحه هذه السلسلة من المقالات (شكل 1)، والسبب في ذلك التوقف هو اعتبار الحديث عن أبواب الجنة يدخل ضمن مفاهيم العقيدة، لأن أبواب الجنة من امور الغيب التي يجب تقديم الأدلة الدالة على كل ما يتعلق بها من أمور، وقد تناولت المقالات السابقة من هذا البحث أن السماوات السبع تعتبر قشرات كروية تحيط بالكون المدرك، وأن فوق كل منها أرضا (شكل 1)، وقد استنتج الباحث بالأدلة أن الجنة في النصف العلوي من السماوات باتجاه العرش، وأن النار في النصف المقابل من السماوات بعيدا عن العرش، فهل يمكن وضع تصورا مقبولا عن مواقع أبواب الجنة ضمن هذا المفهوم؟
شكل رقم (1): قطاع يوضح جزء من بنية السماوات السبع.
(لو الشكل لا يظهر، فضلا اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام)
بداية يمكن استخلاص ملامح عامة لأبواب الجنة بناء على النصوص المذكورة أعلاه:
-للجنة أبوابا يدخل منها المؤمنين والملائكة (كما جاء في آيات سورتي ص والرعد).
-يدخل المؤمنين إلى الجنة أفواجا أو زمرا حسب أعمالهم ودرجاتهم.
-أبواب الجنة ثمانية وردت الأحاديث بأسماء خمسة منها هي أبواب: الصلاة، والصدقة، والجهاد، والصيام، والباب الأيمن لمن لا حساب لهم، وأضاف الأئمة أسماءا لبقية الأبواب وهي: الحج والذكر والعلم، أو غيرها وفق ما يقدمه أهل العلم من أدلة.
-يمكن أن يُدعى المؤمن من أي أبواب الجنة الثمانية إذا كان من أصحاب السبق إلى كل أعمال الخير المؤدية إلى دار النعيم، أو عندما يحسن الوضوء ويدعو بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.
-أبواب الجنة واسعة يحتاج الراكب المسرع للسير شهر إلى أربعين سنة ليقطع المسافة بين عضادتي كل باب، ورغم هذا الاتساع فكل من هذه الأبواب يكون عنده زحام شديد لكثرة الداخلين بفضل الله.
بعض أقوال الأئمة
وقبل أن ندخل إلى الربط بين مواقع أبواب الجنة مع مفهوم بنية السماوات السبع (شكل 1)، ننقل بعض أقوال الأئمة حول أدبيات التعامل مع هذا الشأن الغيبي:
-قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: واعلم أن التحقيق حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية، ثم العرفية، ثم اللغوية، ثم المجاز عند القائل به إن دلت عليه قرينة (انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب عن أبواب الجنة)، وبناء على ذلك تكون أبواب الجنة أبوابا حقيقية كما نفهم من الشرع والعرف واللغة، لكن شكلها وصورتها من أمور الغيب.
-وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: لَمَّا كانَتِ الجَنَّاتُ دَرَجاتٍ بَعضُها فوقَ بَعضٍ، كانَت أبوابُها كَذَلِكَ، وبابُ الجَنَّةِ العاليةِ فوقَ بابِ الجَنةِ الَّتي تَحتَها، وكُلَّما عَلَتِ الجَنَّةُ اتَّسَعَت؛ فعاليها أوسَعُ مِمَّا دُونَه، وسَعةُ البابِ بحَسَبِ وُسعِ الجَنَّةِ، ولَعَلَّ هذا وجهُ الِاختِلافِ الَّذي جاءَ في مَسافةِ ما بينَ مِصراعَيِ البابِ؛ فإنَّ أبوابَها بَعضُها أعلى مِن بَعضٍ (انظر: موقع الدرر السنية عن أبواب الجنة)، فما أجمل هذا الوصف الدقيق للجنات التي تقع على الأرضين فوق السماوات السبع العليا، وما أروع تلك الكلمات التي تشير إلى اتساع الجنة كلما علت وإلى احتمال تفاوت اتساع الباب لأعلى، وانظر أيها القارئ الكريم إلى استنتاج الإمام ابن القيم أن أبوابها أعلى من بعض.
تصور مقترح حول موقع أبواب الجنة
بناء على ما تقدم يمكن مناقشة التصور المقترح في هذا البحث حول موقع أبواب الجنة، وكذلك حول موقع أبواب النار وفق ما يلي شكل رقم 2:
شكل رقم (2): تصور مقترح لموقع أبواب الجنة وأبواب النار على مفهوم الكون.
((لو الشكل غير واضح: فضلا اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))
-نستنتج من وصف أحد أبواب الجنة أنه الباب الأيمن، كما جاء في حديث الشفاعة المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء قوله: ((…. فيقول الله يا محمد: أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخرى))، نستنتج أن أبواب الجنة وأبواب الجحيم تقع على المستوى الاستوائي للكرة التي تتضمن السماوات السبع وما بينها من خلاء، ويتوافق ذلك مع كون جسر الصراط يقع أيضا على نفس المستوى الاستوائي كما ذكرنا في مقال سابق.
-وعليه تكون أبواب الجنة مرتبة من الباب الأول في الكرة المركزية التي تمثل حاليا السماء الدنيا، أو الكون المدرك (لكنها سوف تتبدل يوم القيامة ليكون فيها الجنة الأولى)، ثم يكون الباب الثاني إلى اليمين ويؤدي إلى الأرض الأولى التي تحمل الجنة الثانية، وهكذا تتوالى الأبواب حتى الباب المؤدي إلى الجنة الثامنة العليا فوق الأرض السابعة، ويكون ذلك الباب الأخير هو الأبعد من جهة اليمين عن موقف الحشر والحساب، لذلك جاء وصفه في الحديث أنه الباب الأيمن، ولعله يكون هو الباب المؤدي إلى جنة الفردوس الأعلى التي فوقها عرش الرحمن سبحانه وتعالى، وهو مخصص للسابقين الذين يدخلون الجنة بغير حساب، اللهم اجعلنا منهم يا كريم.
-أما أبواب الجحيم فتأتي على الشمال (اليسار) من مشهد الحشر، حيث يقع الصراط المؤدي إلى جهنم وبئس المصير، فيكون باب جهنم الأول عند الأرض الأولى من جهة اليسار حيث يهوي من يدخل منه في المستوى الأول للجحيم، وإذا كانت الأبواب السبعة للجنة عدا الباب الأيمن تستقبل أصحاب اليمين، فكذلك تكون الأبواب السبعة المؤدية إلى الجحيم تستقبل أصحاب الشمال والعياذ بالله.
-ويعتقد كاتب هذه السطور أنه لا تنافي بين وقوع الأبواب على المستوى الاستوائي لكرة السماوات السبع، وبين ان كل باب من أبواب الجنة يقع فوقه باب آخر للجنة التالية، وكذلك يكون أبواب الجحيم أسفل بعضها بعضا بالرغم من أن المستوى الاستوائي يجمعها جميعا…. وقد تمت مناقشة هذا المعنى الفلكي في بنية السماوات السبع في مقال سابق، وهو يشير إلى أن ساكن النصف الشمالي من الكرة الأرضية تكون السماوات السبع أعلاه، وكذلك تكون السماوات السبع أعلى ساكن النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، فتتابع السماوات فوق بعضها البعض فلكيا يحقق ذلك من أي مستوى من المستويات العظمى التي تمر بمركز السماوات السبع، والله أعلى وأعلم.
صيغة مقبولة
ويرجو كاتب هذه السطور أن تكون هذه الصيغة لتتابع أبواب الجنان وأبواب النيران صحيحة شرعا، مع وجوب الإشارة هنا إلى أن كلمات الإمام ابن القيم –رحمه الله- جعلت هذه الصيغة مقبولة من وجهة نظر الكاتب وبالله التوفيق والسداد.
كما يتضح من هذا المقترح فصل الصراط المؤدي غالبا إلى عذاب النار عن ذلك المؤدي غالبا إلى جنات النعيم، ويظن الباحث أن ذلك يتناسب مع السنن الإلهية العاملة في الكون، فالجانب الأيمن من الصراط يحمل الناجين والفائزين والناجحين الذين تستقبلهم الملائكة بالحفاوة والترحاب، ويمرون على الصراط بسرعات متفاوتة وفق ما ورد عن ذلك من أحاديث، وهؤلاء لا يستحقون أن تُنتقص فرحتهم بالنجاة من العذاب، تُنتقص برؤية مشاهد سقوط أصحاب الشمال في الجحيم، أما الجانب الأيسر فكونه مخصصا لأصحاب الشمال يجعل اجتماعهم على صعوبة تجاوز الصراط نوعا من العذاب حفظنا الله منه.
وبالرغم من هذا الفصل المتوقع بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال في تجاوز الصراط، إلا أن تصميم هذا الجزء من مواقف القيامة وفقا لهذا التخيل لا يمنع من أن يهوي بعض الذين دخلوا إلى الصراط مع أصحاب اليمين، لا يمنع من أن يهوي بعضهم إلى العذاب مثل بعض عصاة الموحدين كما جاء في مقال عذاب الجحيم، ولا يمنع أيضا وفق مسارات الشفاعة أن يدخل البعض مع أصحاب الشمال على الصراط الأيسر، لكن الله تبارك وتعالى يصفح عنهم فيرتقون إلى أبواب النعيم، والله أعلى وأعلم.
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com