الهجر الإرادي هو وجه للتحريض على الزنا مما يعد سببًا للتطلق
الصيرفي محامي متخصص في قضايا الاحوال الشخصية للأقباط
بقلم . دكتور نادر الصيرفي المحامي والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين
اصدرت محكمة استئناف القاهرة الدائرة (28) لشئون الأسرة في الاستئناف المقيد بالجدول العمومي تحت رقم 19079 لسنة 139 ق، بجلسة 29/6/2022. ويتعلق موضوع الاستئناف بنص المادة 50 من لائحة الأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس المالي العام، والعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938 التي تنص على أنه:” يجوز لكل من الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زني الزوج الأخر”.
ويعتبر في حكم الزنا كل عمل يدل على الخيانة الزوجية لأي من الزوجين، كما في الأحوال التالية:
هروب الزوجة مع رجل غريب ليس من محارمها أو مبيتها معه بدون علم زوجها أو إذنه بغير مقتضى، وكذلك مبيت زوج مع أخرى ليست من محارمه.
ظهور دلائل أو أوراق صادرة من أحد الزوجين لشخص غريب تدل على وجود علاقة أثمة بينهما.
وجود رجل غريب مع الزوجة بحالة مريبة أو وجود امرأة غريبة مع الزوج في حالة مريبة.
تحريض الزوج زوجته على ارتكاب الزنى أو على ممارسة الفجور في علاقته بها.
إذا حبلت الزوجة في فترة يستحيل معها اتصال زوجها بها.
وحكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
أولاً : وقائع الدعوى المستأنفة :
أقامت المستأنفة الدعوى المستأنف حكمها بموجب صحيفة طلبت في ختامها الحكم بتطليقها من المدعى عليه لعله الزنا طبقاً لنص المادة 50 من لائحة الأقباط الأرثوذكس، على سند من القول أنها زوجة للمدعي عليه بصحيح العقد الكنسي وأنهما متحدي الملة والطائفة، وأن المدعي عليه قد افترق عنها ولا يعاشرها مدة تتجاوز ثلاثة سنوات متصلة وأنها تخشى على نفسها من الفتنة، وهو ما يعد تحريضاً من المدعي عليه بارتكاب الزنا مما يعد سبب لطلب التطليق وفقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة رقم 50 من لائحة الأقباط الأرثوذكس، مما اضطرها لإقامة الدعوى.
ثانياً : أسباب الاستئناف :
أسست المستأنفة استئنافها لأسباب حاصلها الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال إذ أن محكمة أول درجة اصدرت حكمها ولم تتمكن المستأنفة من اثبات الدعوى باحالتها للتحقيق لاثبات التحريض على الزنا ايجاباً وسلباً، إذ أن ترك المستأنف ضده للمستأنفة وهجرها يعد وجهاً من أوجه التحريض على الزنا، إذ أن لائحة الأقباط الأرثوذكس لم توضح المقصود بالتحريض وهو حث المستأنف ضدها على ارتكاب الزنا أو تعريضها إليه.
ثالثاً : تمييز محكمة الاستئناف بين الزنا الحكمي والتطليق للضرر :
وقالت المحكمة في أسباب حكمها المتصلة بمنطوقه أنه :”لما كان ما تقدم وكان الثابت أن المستأنفة قدمت أمام محكمة أول درجة حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من افادة قسم شرطة …… أن المدعي عليه محبوس تنفيذا للأحكام الصادرة ضده في القضايا رقم ………. جنايات ………. وأنه محبوس منذ …. / …../ …… وموعد نهاية حبسه …. / …../ …… ومن ثم فإن تركه للمستأنفة لم يكن بإرادته وأنما قسراً عنه لكونه محبوساً، ولا يعد تحريضاً لها على ارتكاب الزنا وفقاً لنص المادة 50 من لائحة الأقباط الأرثوذكس، وأن طلبات المستأنفة في حقيقتها أنها تتضرر من غياب المستأنف ضده عنها وعدم قيامه بمعاشرتها لحبسه، فإن ذلك يعد وجه من أوجه التطليق للضرر، وهو ما لم يرد بنصوص لائحة الأقباط الأرثوذكس المعمول بها، ولما كان الحكم المستأنف قد التزم هذا النظر يكون حرياً بالتأييد لأسبابه وما ساقته المحكمة من أسباب.
رابعاً : المبدأ المستفاد من الحكم هو : التمييز بين الهجر الإرادي والغير إرادي :
بمفهوم المخالفة مما سبق، يمكن التمييز بين نوعين من الهجر الحاصل من الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها ، وهما :
الهجر الإرادي :
إذا ترك الزوج زوجته بإرادته، فإنه يعد محرضاً لها على ارتكاب الزنا وفقاً لنص المادة 50 من لائحة الأقباط الأرثوذكس. وهو ما سبق أن بينناه قبل صدور الحكم المستأنف بتاريخ 30 مارس 2022 بمقال سابق لنا بعنوان ” التحريض على الزنا في مفهوم لائحة الأقباط الأرثوذكس (الوقاية من الزنا).
وقد جاء بالبند خامساً : في التحريض السلبي أو غير مباشر على الزنا:
يتضح أن الهدف من تشريع حالة التحريض على الزنا كسبباً للتطليق هو وقاية الزوجة من الوقوع في الزنا، وهذا يقودنا لفكرة أبعد من ذلك تتعلق بمدى اعتبار ” الهجر ” حالة من حالات التحريض على الزنا تأسيساً على أن هجر الزوج لزوجته ينفي فكرة الوقاية من الزنا، ويهدمها من أساسها؟؟
وقد أجبنا على هذا التساؤل بالإيجاب إذا أنه لا غرابة في الأخذ بهذا النظر، فالشريعة المسيحية نظمت التحريض على الزنا وقاية للزوجة من الزنا، والتحريض على الزنا نفسه هو أحد حالات الزنا الحكمي التي وردت على سبيل المثال لا الحصر، فبالأولى إذن بدلاً من ادراج الهجر كحالة مستقلة، الحاقها بحالة التحريض على الزنا كلما اقترنت أو ارتبطت به.
وعلى نحو ما تقدم، فإذا نطوى فعل الهجر على عنصر التحريض السلبي، يصير حالة من حالات الزنا الحكمي، ذلك لعدم اشتراط اللائحة أن يكون التحريض ايجابياً أو مباشراً.
ولتوضيح هذه الفكرة نبين أن هجر الزوج لزوجته يتضمن بالضرورة اخلالاً بواجب معاشرتها، الأمر الذي يكون معه الزوج خائناً لعلاقة أو عهد الزواج، فمنع الزنا أهم من منع التطليق.
وهو ذات ما قرره الحكم المستأنف المشار إليه بصفة ضمنية من فكرة الهجر الإرادي فليس كل هجر يصدر من جانب الزوج يمكن الاعتداد به كسبباً للتطليق فقد يهجر الزوج زوجته بحثاً عن لقمة العيش في بلد أخر أو محافظة أخرى، وقد لا ينطوي الهجر الإرادي على عنصر التحريض كما لو أثبت الزوج كبر سن زوجته.
ويتعلق ذلك المبدأ لمحكمة استئناف القاهرة بمبدأ قديم لمحكمة النقض المصرية في مجال الأحوال الشخصية للمسيحيين وهو ” ألا يستفيد المخطئ من خطئه” فإذا كانت الزوجة هي الطرف المتسبب للهجر، فلا يجوز للزوجة رفع دعوى التطليق بسبب التحريض على الزنا ولو كان الهجر ارادياً وقد قررت محكمة النقض قبل تعديل لائحة الأقباط الأرثوذكس عام 2008 أنه : “وحيث أن هذا النعي في محله، ذلك بأن – من المقرر في قضاء هذه المحكمة – أنه لما كانت المادة 57 من مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس تجيز طلب التطليق، إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الأخر، أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً، مما أدى إلى استحكام النفور بينهما، وانتهى الأمر بافتراقهما ثلاث سنوات متوالية، على ألا يكون ذلك بخطأ من جانب طالب التطليق، حتى لا يستفيد من خطئه، وأنه ولئن كان تقدير الأدلة، ومنها أقوال الشهود وماستخلاص دواعي الفرقة بين الزوجين من مسائل الواقع التي يستقبل قاضي الموضوع ببحث أدلتها المطروحة عليه، إلا أن ذلك مشروط – وعلى ما جرى قضاء هذه المحكمة – بأن يكون استخلاصه من هذه الأدلة ومأخذه بها سائغاً ويكفي لحمل قضاء الحكم ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها “.
الهجر القسري :
أما ترك الزوج زوجته قسراً، فإنه لا يعد محرضاً لها على ارتكاب الزنا وفقاً لنص المادة 50 من لائحة الأقباط الأرثوذكس ومن ثم فهو لم يرد بنصوص لائحة الأقباط الأرثوذكس وتنظم المادة 14 من القانون رقم 25 لسنة 1929 أحكام التطليق لحبس الزوج حيث تنص على أنه ” لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائياً بعقوبة مقيدة للحرية، مدة 3 سنين فأكثر، أن تطلب من القاضي، بعد مضي سنة من حبسه، التطليق عليه بائناً للضرر، ولو كان لها مال تستطيع الإنفاق منه”. وهو ذات ما كانت تنص عليه لائحة 1938 في أسباب التطليق قبل تعديلها على أنه: ” الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوع للطرف الأخر طلب الطلاق”.