الصراط المستقيم

في السحر والعلاج منه

كتب الدكتور محمد جلال القصاص

بسم الله الرحمن الرحيم

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

مدخل:

اهتمامي بالسحر سببه طلب العلاج لأحبة أصيبوا بالمرض لا من باب التخصصية، فالمعروض هنا في هذا المقال ملاحظات من تجربة شخصية امتدت على ظهر عشر سنوات تقريبًا.. تجربة من عقلية نقدية.. مَنَّ اللهُ عليها بشيء من القدرة على التأمل واستخلاص شيء من الفوائد.

 

أهم ثمار مخالطة المسحورين وتكبد مشقة طلب العلاج هي:

 

أولًا: التعرف على حال الشياطين وأوليائهم من الإنس (السحرة وطلّاب السحر.. قاتل الله الجميع).. فمخالطة المسحورين تريك رأي العين كيف أن الشياطين كُثر، وحضور لا يغيبون.. ومختصون فبعضهم لإفساد الصلاة بالوسوسة، وبعضهم لضياع البركة في الطعام والمنام، وبعضهم للتحريش بينك وبين أهلك وأصدقائك، وبعضهم لإلهائك عن الذكر.. جم غفير وتخصصية عالية… وعداوة شديدة لا تنفك. حالهم كما وصف الله خالقهم وخالق كل شيء “إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا” (الإسراء: من الآية 53). ولذا علينا أن نتخذهم أعداء كما أمرنا الله “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا” [تكرر هذا الأمر سبع مرات بلفظ صريح]، ولا أمارس العلاج بالرقية ولا غيرها.

 

ثانيًا: التعرف على فساد حال الناس وانتشار الحقد والحسد والتدابر بين الأقارب، فاليد التي تقدم السحر تبدو حبيبة أو صديقة، أو هكذا تحاول أن تظهر، فانتشار السحر أمارة على فساد ذات البيت وقلة الإيمان وكثرة الحقد والحسد والتدابر بين الناس.

 

أهم أسباب انتشار السحر: كثرةُ السَحَرَةِ، وتسمية السحر بغير اسمه (مثل: جلب الحبيب،،، ونحو ذلك). تمكن الفجر في الخصومة من الناس، وقلة تكاليف السحر المادية. وأنه عمل خفي لا يطلع عليه الناس، ولا يعرف فاعله إلا بعد مدة من الزمن.

والسحر منتشر بين الجميع.. وليس فقط الطبقات المتوسطة والدنيا.

 

ما هو السحر؟

 

السحر عملية مركبة، فيها:

– طالب السحر من البشر.

– والساحر الذي يعقد وينفث في العقد. “وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ”

– والعمل (العُقد التي تم النفث فيها) ثم تؤكل أو تشرب أو تدفن،،،،.

– وشيطان السحر وهو شيطان يكلف بمهام محددة تجاه المسحور. ويكون هذا الشيطان مرتبط بالعمل، حضورًا وغيابًا وقوة وضعفًا. ويكون هذا الشيطان متخصص في الغالب.. بمعنى يمارس نوعًا محددًا من الأذية بجانب الأذى العام. وقد يكون أكثر من شيطان.

– المسحور.. المريض الذي وقع عليه السرح. شفا الله كلّ مريض.

 

فالسحر باختصار: تسخير شيطان من أجل أذية شخصٍ ما. وغالبًا ما تكون المهام محددة. مثل: التفريق بين الزوجين (يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)، أو تأخير الزواج، أو تعطيل التعلم والتعليم،،، إلخ.

 

العلاج:

 

غالبًا ما يتم التعرف على السحر بعد مدة من الإصابة به، لأنه يظهر تدريجيًا وتختلط أعراضه بأعراض بدنية عادية، مثل: الصداع والألم في بعض المناطق كأسفل الظهر والرقبة والمعدة؛ وكوابيس، وضيق الصدر، والحزن الشديد لدرجة ارتجاف القلب، والخوف من المستقبل، والرغبة في الانتحار،،، إلخ.

 

أكثر الخطوات أثرًا منع السحرة. وفي الإسلام أن الساحر يقتل. جزاءً وفاقًا، ولا يظلم ربك أحدًا. فالسحر قتل. بل أشد من القتل. وذلك أن القتل لحظة ألم تمر سريعًا (وقد لا يكون مع القتل ألم إن كان ذبحًا أو ضرب عنق)، أمّا السحر فهو ألم شديــــــــــــــد طول الوقت. وقتل الساحر منع الناس من الاقتراب من السحر ولذا عاش المجتمع خلي من هذا الكم الرهيب من الألم النفسي والبدني. ولكننا في زمن لا يعاقب السحرة بالقتل بل يعاقب من يتحدث بهذا، ولذا نتعامل بالمتاح: بمعنى لا نترك السحرة: نشهر بهم وبمن يأتيهم، ونرفع أمرهم للسلطة وإنْ في قضايا أخرى غير السحر. فلا يبقى الساحر آمنًا مطمئنًا وهو يمارس هذا القبح.

 

وهنا لابد من الإشارة أن الناس يتركون السحرة لأنهم يستفيدون منهم في بعض الأحيان. فالإجرام في الناس أيضًا وليس فقط في السحرة.. منظومة من الضلال والفساد.

 

أول خطوات العلاج المنطقية هي: محاولة التعرف على طالب السحر والتفاهم معه للدلالة على مكان السحر ومن ثم فكه ليرحل الشيطان المرتبط بالعمل. وهذا بعيد جدًا، بل يكاد يكون مستحيل، وذلك أن التعرف على طالب السحر يأتي متأخرًا كونه من المقربين في الغالب، والجميع ينكر ويشتد في النكير. بل ويقسم أنه لم يفعل!! فالسحر كالزنا يأتونه راغبين ويتنكرون له مستعرين منه. وفائدة ذكر هذا الأمر: هو تتبع الأماكن التي يتم فيها دفن الأسحار كالمقابر والتخلص من هذه الأسحار صدقة على أهلها.. حسبةً لله. أو كلما وقع عملٌ في يد أحد ذهب به لمختص لفكة وتخليص صاحبه منه.

 

يتمثل العلاج الفعلي في اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول: التوجه لخادم السحر (الشيطان) مباشرة بالعلاج لقتله أو إضعافه، وهذا ممكن جدًا. وخاصة إن فَهِم المسحور- أو من يساعده- أن شيطان السحر يعيش مع المسحور كليةً.. يأكل من طعامه ويشرب من شرابه وينام بجواره ويتحدث إليه بالتخاطر، وربما يعامله كزوج في المنام أو في حالة بين اليقظة والنوم. شفا الله الجميع.

والعلاج هنا يتمثل في حرمان خادم السحر مما يقويه وينعشه: فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ويسمع ما يكره، ولا يفارق المريض في نوم أو يقظه قدر الإمكان حتى لا ينفرد به الخادم. وكل ذلك بالقرآن الكريم والأذكار، وهنا يتفاوت الناس حسب أعمال القلوب. وهنا يجب أن ينتبه كل مريض وأولياؤه أن أولى الناس بالمريض هو نفسه هو أو من يحبه، ليخرج الدعاء والأذكار من قلب يقظ حريص على الخير.

عمليًا: يقاوم شيطان السحر مقاومة شديدة حين يبدأ المريض في العلاج، ولكن بالاستمرار يضعف، وربما يضطر للبعد عن المريض ليشعر أنه شفي ويتوقف عن العلاج.

وهنا ملاحظة أخرى، وهي أن شيطان السحر يُظهر أنه تاب وأسلم، وسيخرج من المريض ولن يعود، ويخرج بالفعل ليوم أو يومين.. ثم يعود ساخرًا أو متسللًا وكأن شيئًا لم يكن.

علاج السحر بهذه الطريقة فعال جدًا، فمن ناحية يضعف الشيطان ومن ناحية أخرى يقوي الملائكة الحفظة. ويظهر أثره بعد قليل..

قد لا يتم العلاج كلية ولكن المريض يتحسن، وإن استمر يبرأ بحول الله وقوته، فأثر الرقية بالراقي، والله كريم منان.

 

الاتجاه الثاني: العلاج بالأعشاب.

وهذا الاتجاه لا يقل أهميةً عن العلاج بالقرآن الكريم، فالأعشاب تُخرج مادة السحر- إن كان مأكولًا أو مشروبًا- وإخراج هذه المادة يقلل من أثر شيطان السحر بشكلٍ كبير.

والأعشاب-كذلك- تسبب ضررًا كبيرًا لشيطان السحر، فالشياطين تحب أعشابًا وروائحًا وتكره أخرى؛ وبعض الأعشاب يقتل شيطان السحر أو يطرده مثل “كبد الحوت”، ويستخدم في طرد أعتى الشياطين كأولئك الذين يحرسون المقابر القديمة.

 

والمهم هنا هو الاستمرار على ما يجد المريض فيه فائدة. ولا يأخذ بقول أحد المعالجين.. فكل حالة لها ما يناسبها، والمعالجون يعممون حالات فردية. فهم أن يكون المريض واعيًا ويعرف خصوصية حالته.

 

المعالجون أنواع:

 

أفضل المعالجين اثنان: شخص المريض ومحب يساعده. ولابد من الاثنين معًا. فالمريض وحده لا يقوى على العلاج… يغلبه شيطان السحر.. يُقعده عن ممارسة العلاج، وفوق ذلك فإن المريض يكون في حالة من الحزن والخوف (الهم والغم) تقعده عن العلاج وغير العلاج.. قلّ أن تجد من يقبل على العلاج من تلقاء نفسه ولذا لابد من رفيق.

وهذان يعالجان بحالة من الإيمان.. قرآن وسنة وأذكار.. حالة تنغص على شيطان السحر استقراره وتصده عن وساوسه. ويعالجان بالأعشاب ولابد.. ويبحثان خلف من صنع السحر رجاء أن يدلهم على مادة السحر (العمل) أو لا يتجرأ ثانية على تجديد السحر.

 

ومن وسائل العلاج طلب الرقية من الغير، وهو أمر خلاف الأولى في الشريعة، فقد جاء في الحديث أن من صفات أهل الجنة أنهم “لا يسترقون”.. ولا أريد الاسترسال هنا، فقط أذكر أن الرقية تكون فاعلة إن كان من يرقي حاضر القلب والمريض هو الأكثر حضورًا بقلبه ولذا خير له أن يتعلم الرقية ويستعين بالله ويبدأ.. وليس فقط الرقية بل المحافظة على السنن والأذكار. حالة إيمان تقطع على شيطان السحر وساوسه وأفعاله وربما تطرده أو تقتله.

 

العلاج بالجن، معالج معه جن يعالج به، وما أعرفه أن هذا غير ممنوع في الشريعة ما لم يكن سحرًا.

 

والعلاج بالحجامة والأعشاب، وهذا من أفضل الطرق، فالحجامة لها تأثير ملحوظ في الشفاء، وكذلك الأعشاب، سواءً تلك التي تشرب وتطرد السحر من الداخل (المعدة والأمعاء) بترجيعٍ أو بإسهال، أم تلك التي تخنق شيطان السحر وتؤذيه، والأفضل هنا أن يتم المداومة عليها مرة أو مرتين كل أسبوع. أو أكثر. وطريقة ممارستها معروفة عند أهلها، وعلى المريض أن يبحث (في اليوتيوب أو جوجل) ويقرأ ثم يبدأ.

 

بعد فترة من العلاج القوي يغيب عنك شيطان السحر وتظن أنك شفيت، ثم يعود. المطلوب وقتها أن تستمر في العلاج حتى يصعب عليه المجيء ثانية. أو يأتي متعبًا لا يقوى على ما يريد.

 

إن لب العلاج يكمن في معرفة حال شيطان السحر وحال الشياطين عمومًا. والاستعاذة بالله والأخذ بالأسباب الإيمانية والمادية لصدهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.