الغُراب: بين التشاؤم والذكاء .. !! بقلم: الدكتور أمين رمضان
قفز عنوان هذه المقالة إلى ذهني من وحي خطبة الجمعة والتي تحدث فيها الخطيب عن موضوع التشاؤم، فاستعرض الكثير من صور التشاؤم الموجودة في حياتنا، وبين أنها تكبلنا عن النجاح والإقدام والمغامرة، وكلها ثقافة موروثة، تنتقل من جيل إلى جيل، دون تمحيص أو نقد لتقييمها في عالم الحقيقة.
استوقفني صورة واحدة من كل الصور التي ذكرها، وهي التشاؤم من الغراب، باعتبار أن الكثير من العوام وغيرهم يعتبرون رؤيته فأل سيئ، أو شُؤم، وهكذا كانت ومازالت العلاقة بيننا وبين الغراب، وتجلت في الأمثال والروايات والقصص، وصور أخرى كثيرة من الفنون والحكايات بين الناس على اختلافهم في التعليم أو المستوى الاجتماعي، وآتت ثمارها في واقع الحياة نفسه، ثمار فاسدة.
سرحت بخيالي عندما ذكر الخطيب الغراب، إلى دراسة قام بها باحثون بجامعة كمبردج أثبتوا فيها أن الغراب ليس واحد من أذكى الطيور في العالم فقط، بل إنه أذكي من الكثير من الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة، أجرى الباحثون تجارب مختلفة، ليعرفوا ما إذا كان الغراب قادر على حل مشكلات مركبة يتطلب حلها عدة خطوات أم لا، بدأوا بعدد صغير من الخطوات، ثم ازداد العدد حتى وصل إلى ثماني خطوات، كان على الغراب أن يقوم بها، بطريقة متعاقبة، وكل خطوة تستدعي ذكاء في معرفة العلاقات بين الأشياء، ناهيك عن ضرورة معرفة التعاقب الصحيح للخطوات ليتم حل المشكلة المعقدة ليستطيع الغراب في الخطوة الأخيرة الوصول لقطعة الغذاء ويأكلها، والتي لا يمكن الوصول لها إلا بعد تنفيذ الخطوات الثمان بترتيب معين، كانت التجربة ببساطة لغز مكون من ثمان مراحل، وكانت دهشة العلماء بالغة عندما نجح الغراب في الوصول لقطعة الطعام والتهامها، ليبرهن على أن مستوى الذكاء عنده عالٍ، وهو الذي مكنه من حل مشكلة معقدة يتطلب حلها عدة خطوات ليس من السهل معرفتها، ولذلك اعتبروه من أذكى الطيور في العالم (الفيديو موجود على اليوتيوب منذ عام ٢٠١٤ تحت هذا الرابط (الفيديو باللغة الإنجليزية): https://www.youtube.com/watch?v=uNHPh8TEAXM.
عقدت مقارنه بين قوم يتشاءمون من مخلوق فلا يعرفون ذكاءه، وقوم يبحثون عن أسراره فيكتشفون آيات الله المبثوثة في المخلوقات، ثم رجعت بحسرة مع نفسي، وإحساس أن بناءنا المعرفي والفكري يحتاج إلى إعادة تشكيل ليتخلص من الأوهام والخرافات التي سيطرت على عقولنا، فأصابتنا بالبلادة والخمول، وأحيانا باسم الدين، والدين منها براء، وهذا ما حاول خطيب الجمعة توضيحه، ليكسر الناس الأغلال التي تقيد عقولهم وحياتهم