ربح البيع أبا إسحاق

كتب/ هاني حسبو.
” انا لله وانا إليه راجعون….مات أبي” بهذه الكلمات اليسيرات نعى هيثم الحويني أباه العالم المحدث أبا إسحاق الحويني وكأنه يقول لنا أن هذا مصابكم جميعاً يا اهل الإسلام فالشيخ رحمه الله وكم احزن حين اصفه الان ل”رحمه الله” فالشيخ له في رقبة كل من “تسمن”بهدي النبي صلى الله عليه وسلم دين.
فلم يكن الشيخ مجرد داعية يدعو لدين الله بل كان والدا ومربيا وفقيها وعالما.
عرفت الشيخ رحمه من خلال أشرطة الكاسيت في تسعينات القرن الماضي حيث لا وسائل اتصال ولا فضائيات وقد كان رحمه الله يعلمني ويعلم الأمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى اتباعنا لهديه صلى الله عليه وسلم.
عرفت الشيخ مدافعاً وبقوة عن اجدادنا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
عرفت الشيخ رحمه الله مناصرا لدين الله حارسا لحدود الملك سبحانه.
عرفته رحمه الله معظما لحديث النبي صلى الله عليه وسلم مصححا لما ثبت عنه تاركاً مالم يصح.
تعلمت من الشيخ توفير السلف وكيف أنهم حجة لنا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.
تسمع الشيخ وهو يتحدث عن القرون الفاضلة ويربطك بهم ربطا وثيقاً.
تعلمنا منه كيف تستفيد بالحديث النبوي في حياتك وتجعله منهجاً تسير عليه.
يقول الشيخ الحويني رحمه الله في إحدى محاضراته:
قال عباس بن عبد الله الترقفي : حضرت مجلس سفيان بن عيينة يوماً فقال : أفيكم أحد من أهل مصر ؟ فقالوا : نعم . فقال : ما فعل فيكم الليث بن سعد ؟ فقالوا : مات .
فقال : فيكم أحد من أهل الرملة ؟ فقالوا : نعم . فقال : ما فعل ضمرة بن ربيعة ؟ قالوا : مات .
قال : فيكم أحد من أهل حمص ؟ قالوا : نعم . قال : ما فعل بقية بن الوليد ؟ قالوا : مات .
قال : فيكم أحد من أهل دمشق ؟ قالوا : نعم . قال : ما فعل الوليد بن مسلم ؟ قالوا : مات .
فقال : فيكم أحد من أهل قيسارية ؟ قالوا : نعم . فقال : ما فعل محمد بن يوسف الفريابي ؟ قالوا : مات .
فبكى سفيان طويلاً ثم أنشد قائلاً :
خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّدِ … وَمِنَ الشَّقَاءِ تَفَرُّدِي بِالسُّؤْدَدِ
من الشقاء أن يبقى وحيداً وقد مات أسنانه ،
فموت العلماء من أكبر المحن ،
وبقاء العالم وحده محنة كبيرة جسيمة لا يعرفها إلا العالم ,
ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكنافهمْ … وبَقيتُ في خَلْفٍ كجِلدِ الأجرَبِ
المحنة التي نعيشها الآن محنة جسيمة كبيرة وبلاء يتبع بلاء ولا يوجد من أهل العلم على الرسم الأول إلا الفرد بعد الفرد .
الان نستطيع أن نقول ما فعل ابو إسحاق الحويني نقول :مات
كتب أحدهم معلقا على وفاة الشيخ:
ومن علامات حسن خاتمة الشيخ المحدث الوالد أبي إسحق الحويني رحمه الله، وهي كذلك من كراماته :
١. أنه مات في يوم الاثنين الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولعلّ ذلك من بركة حبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلقه به، وذبّه عن سنّته، ومنافحته عنها كطليعة حرس الحدود الذي يقف بالمرصاد لكل من تسوّل له نفسه أن ينال منها بتحريف أو إنكار أو عبث.
٢. وكذلك موته في هذا الشهر الفضيل؛ شهر المغفرة والقبول والعتق من النيران.
٣. ومنها موته في يوم ١٧ رمضان وفيه مناسبتان:
الأولى: ذكرى غزوة بدر التي هي موقعة الفرقان التي فرق بها الله بين الحق والباطل؛ فلعلّ ذلك إشارة إلى حسن السيرة وجمال المسيرة للشيخ رحمه الله فقد كان كذلك في واقع الحال فارقًا بين الحق والباطل.
والثانية: أنه اليوم الذي ماتت فيه أم المؤمنين عائشة الطاهرة المُطهّرة؛ فلعلّ ذلك من حديثه العذب الشائق المُشوِّق عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلكم أمتعنا – رحمه الله – بذكر تفاصيل هذا البيت الشريف فحسبك من ذلك محاضرته ليلة في بيت النبي وشرحه لحديث أم زرع وكلامه العالي عن أم المؤمنين رضي الله عنها.
٤. ثم ذلك الثناء الفوّاح والذكر الحسن الذي ملأ أقطار الأرض من أقصاها إلى أقصاها في تعداد مناقب الشيخ رحمه الله بعد وفاته ومن الطوائف كافة من محبيه ومن مخالفيه؛ مُثنين على علمه الغزير، وتحريره المُتقَن، وأخلاقه العالية، وربّانيّته وتخشّعه.
٥. وكذلك تلك اللحظة التي مات عليها؛ فقد نقل أولاد الشيخ أنه استفاق قليلا فجر يوم وفاته وطلب من أحد أبنائه أن يسمعه القرآن بصوت حبيبه الأثير الشيخ المنشاوي وطلب سورة غافر بالاسم، والتي افتتحها المنشاوي بقول الله تعالى ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار)
وكأن الشيخ أبى إلا يكون مُوجِّهًا لنا حتى الرمق الأخير؛ فأراد أن يختم حياته بهذا المعنى القرآني الشريف؛ استنقاذًا لنا من بحار الغفلات التي غرقنا في لُجّتها..
٦. موت الشيخ شهيدًا مبطونًا وقد عاين ألوانًا من البلاء وهو فيها صابر، فما بين جلطة في القلب وأخرى في المخ وفشل كلوي وغسيل ثلاث مرات كل أسبوع وبؤرة سرطانية بالكبد وهو في كل ذلك يقول: أنا عبده فليفعل بي ما شاء…
٦. موته مهاجرًا في سبيل الله بعيدًا عن أرضه وبلاده وأهله.
ماذا يمكن للقلم أن يندفق بالمعاني التي احتشدت في الصدر لا يسعفه أن يأخذ منها ويدع…
وحسبنا هذا التراث الوافي والأثر الضافي الذي تركه لنا الشيخ رحمه الله لنقتفيه وننسج على منواله.
بح البيع أبا إسحاق