أخبار العالماحدث الاخبار

الصومال يقترب من سيناريو أفغانستان وسوريا .. حركة الشباب تتقدم نحو العاصمة

كتبت : د.هيام الإبس

شهدت السياسة الأمريكية تجاه الصومال تحولاً جذرياً وخطيراً، مع قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقف الدعم المالي واللوجستي لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS)، فيما تشهد البلاد تقدماً عسكرياً مقلقاً لحركة “الشباب” المتطرفة، واقترابها أكثر فأكثر من العاصمة مقديشو، وإعادة سيناريو طالبان في أفغانستان، وهيئة تحرير الشام في سوريا بالاستيلاء على السلطة.

أمريكا تنسحب.. وتغلق باب الدعم

أوقفت الولايات المتحدة رسمياً جميع أشكال الدعم الموجه لبعثة ATMIS، التي تعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة الجماعة المسلحة.

وشمل هذا القرار وقف التمويل، وقطع المعدات، ووقف برامج التدريب والمعلومات الاستخباراتية، وهي عناصر شكلت لعقدين العمود الفقري للبعثة منذ انطلاقها عام 2007 تحت مسمى “أميسوم”.

وجاء القرار الأمريكي برفض صريح لنموذج التمويل الهجين المقترح من الأمم المتحدة (وفق القرار 2719)، والذي كان يخصص 90% من تكلفة البعثة عبر مساهمات إلزامية من الدول الأعضاء.

وقد اعتبرت واشنطن أن الصومال “ليس السياق المناسب” لتطبيق هذا النموذج لأول مرة، مما اعتبره الاتحاد الأفريقي طعنة في خاصرة الأمن الإقليمي.

تقدم ميداني مقلق لحركة الشباب

في ظل الفراغ الأمني المتزايد، بدأت حركة “الشباب” المتطرفة تحقيق اختراقات خطيرة، كان أبرزها سيطرتها على مدينة عدن يابال الاستراتيجية الواقعة على بعد 245 كم من مقديشو.

كما استولت على مدن أخرى مثل موباكس، وشنت هجمات ضد قواعد القوات الإفريقية في محيط براوي ومنطقة أمباريسو، ما زاد المخاوف بشأن قدرة الحكومة الصومالية على الصمود.

وذكرت مصادر، إن وحدة أمنيات التابعة للحركة نفذت اغتيالات لقيادات محلية، بينها نائب حاكم سابيد في منطقة سيلاشا بيها، ما يشير إلى تنامي قوة الجماعة الاستخباراتية والميدانية.

وتشير مصادر صومالية، إلى سيطرة مسلحي حركة الشباب على ماباكس، وهي قرية تابعة لمقاطعة موكوكوري في منطقة هيران.

ووفقا لهذه التقارير، تقدم المسلحون من منطقة الكوثر، مارين بقرية غال-هرور – وكلاهما يقع في منطقة شبيلي الوسطى – قبل الوصول إلى ماباكس.

وتجدر الإشارة إلى أن ماباكس وموقوكوري تفصل بينهما قريتان قريبتان: سيل-كوكولي وخساوو غادييد. ولا يزال الوضع في المنطقة غير مستقر، ومن المتوقع صدور المزيد من التحديثات مع توافر المزيد من المعلومات.

كما شنت حركة الشباب هجوماً كبيراً قرب بيدوا، وتفتح جبهة رابعة في تمردها المستمر شن مسلحو حركة الشباب هجوماً عنيفاً في ساعة مبكرة من صباح يوم الخميس على باي-برجيد، وهي منطقة بالقرب من بيدوا في منطقة باي جنوب غرب الصومال.

واستهدفت حركة الشباب مواقع للجيش الوطني الصومالي وقوات الدراويش الإقليمية في ولاية الجنوب الغربي.

ووفقاً لمصادر أمنية، هاجم المسلحون من اتجاهات متعددة في هجوم منسق استهدف القواعد العسكرية في المنطقة.

وأفادت التقارير أن القتال العنيف أسفر عن سقوط ضحايا من الجانبين، ومن بين القتلى في الاشتباكات ضابط شرطة بارز في ولاية الجنوب الغربي، حسن سنبوكور، الذي أكدت السلطات الإقليمية وفاته.

كما وردت أنباء عن مقتل العديد من أفراد قوات الأمن في الجنوب الغربي، وفي أعقاب المعركة، عرضت القوات الحكومية الصومالية جثث عدد من مقاتلي الشباب في مدينة بيدوا، مدعية أنها صدت الهجوم وألحقت خسائر فادحة بالجماعة.

و وصلت الفرقة 27 من الجيش الوطني الصومالي إلى المنطقة مؤخراً ، ويمثل هذا الهجوم تصعيداً ملحوظاً من قبل حركة الشباب، فاتحاً بذلك جبهة رابعة نشطة في تمردها.

وقد شن المسلحون هجمات في مناطق شبيلي الوسطى، وشبيلي السفلى، وهيران، ويشير الهجوم الأخير قرب بيدوا إلى توسع استراتيجي لأنشطتهم في منطقة الخليج.

انهيار الدعم… وتمدد الشباب

ملامح أفغانية وسورية تتكرر

يشبه الوضع الحالي في الصومال المشاهد التي سبقت سقوط كابول في يد طالبان عام 2021، وتحول سوريا إلى ساحة للجماعات المسلحة، بعد تفكك مؤسسات الدولة وضعف الدعم الدولي.

الانسحاب الأمريكي من ملف الصومال يعد تغيراً استراتيجياً خطيراً في طبيعة التوازن الأمني بالقرن الإفريقي، ويترك الحكومة الفيدرالية بمفردها في مواجهة تهديد غير مسبوق.

خطر سقوط مقديشو وملايين مهددون

إذا سقطت العاصمة مقديشو، فإن النتائج لن تقتصر على الداخل الصومالي فقط، بل ستتجاوز حدوده، مما يؤدى إلى إعادة تموضع الجماعات الإرهابية في القرن الإفريقي،وتكرار مشهد القرصنة في خليج عدن وهو ما يهد قناة السويس المصرية.

كذلك تهديد خطوط الملاحة العالمية، ودفع موجات جديدة من النزوح واللجوء نحو أوروبا والقرن الإفريقي، وإضعاف استقرار دول الجوار مثل كينيا وإثيوبيا.

من جانبه انتقد رئيس وزراء الصومال الأسبق، عبدي فارح شردون بشدة استراتيجية الحكومة الأمنية، واصفاً إياهاً بـ”الدفاع عن حركة الشباب” من خلال إنشاء موقعين دفاعيين، أحدهما في قاعدة بلقاد السابقة والآخر في قاعدة أفغوي السابقة.

وقد زاد هذا التبادل من حدة التوترات في الفترة التي تسبق انتخابات مايو 2026، مع تصاعد الخطاب السياسي، وبقاء الأمن مصدر قلق رئيسي لكل من الجمهور والمرشحين الرئاسيين.

كما حذر الشيخ التقليدي كسادا من نوايا حركة الشباب للاستيلاء على مقديشو، مدعياً وجود دعم أجنبي،  وأصدر الشيخ التقليدي البارز أوغاس كسادا تحذيراً قوياً ضد جماعة الشباب المسلحة خلال مؤتمر عشائري عقد في مقديشو، مشيراً إلى أن الشباب تسعى بنشاط للاستيلاء على العاصمة الصومالية.

وزعم الشيخ كسادا أن حركة الشباب تتلقى دعماً من دول أجنبية قوية تدعم أيديولوجية الجماعة المتطرفة. ومع ذلك، لم يذكر أي دول محددة خلال تصريحاته. وقال “إن حركة الشباب لا تعمل بمفردها، إنهم مدعومون من قبل جهات أجنبية رئيسية تشارك وتمول أجندتهم المتطرفة”، مؤكداً على التهديد الذي تشكله الجماعة ليس فقط على مقديشو ولكن على الاستقرار الوطني.

يأتي بيان الشيخ في وقت لا تزال فيه المخاوف الأمنية مرتفعة في العاصمة على الرغم من العمليات العسكرية المستمرة ضد الجماعة. وينظر إلى تصريحاته على أنها دعوة إلى الوحدة بين العشائر والمجتمعات المحلية لمقاومة النفوذ المتطرف.

الحكومة الصومالية في مأزق… وردود أفعال غاضبة

وفي أول تعليق رسمي، قالت وزارة الدفاع الصومالية إنها تدرك خطورة الوضع، مؤكدةً التزامها بتحمل المسؤولية الأمنية، لكنها دعت إلى دعم دولي عاجل لسد الفجوة التي خلفها الانسحاب الأمريكي.

من جهته، عبر الاتحاد الأفريقي عن أسفه، داعياً واشنطن إلى إعادة النظر في قرارها، أو على الأقل إعادة توجيه دعمها من خلال اتفاقيات ثنائية مع الدول المساهمة في البعثة، كأوغندا، وكينيا، وبوروندي.

وفي نيويورك، قال دبلوماسي في مجلس الأمن فى تصريح له،  إن بعض الدول الأعضاء تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع، وتخشى سيناريو سقوط مقديشو على غرار كابول، مشيراً إلى أن “التحذيرات تتزايد من أن انسحاب الدعم الدولي قد يؤدي إلى انهيار كامل للإنجازات الأمنية والسياسية”.

توقعات خبراء الأمن

فى السياق، يرى محللون أن حركة الشباب تتجه لتوسيع سيطرتها في مناطق مثل شبيلي الوسطى، وسط عجز حكومي وتفكك سياسي. ويقول تقرير سري تم تداوله في دوائر دبلوماسية إن “كل المكاسب التي تحققت منذ عقد في طريقها للتبخر”، إذا لم يتم التدخل سريعاً.

وتؤكد المصادر الأمنية أن حركة الشباب أصبحت تمتلك بنية تحتية متطورة لشن هجمات انتحارية، وتجنيد عناصر، وتهريب السلاح عبر شبكات إقليمية واسعة.

الصومال يقف الآن على شفا حفرة من الفوضى، في وقت تتخلى فيه القوى الدولية عن مسؤولياتها تدريجيا.

وسقوطه في يد “الشباب” لن يكون فقط سقوط دولة، بل سقوط منظومة أمنية دولية غضت الطرف عن دولة كانت بحاجة إلى الدعم، فوجدت نفسها وحيدة في وجه جماعة لا تعترف بالحدود ولا بالقانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.