السودانشئون عربية

معركة الخرطوم والسيناريوهات المحتملة لمستقبل النزاع بالسودان

كتبت: د. هيام الإبس

انتصارات الجيش السوداني تقلب الموازين

أحرز الجيش السوداني تقدماً ميدانياً نوعياً خلال الأسابيع الماضية في معركته ضد ميليشيا قوات الدعم السريع، حيث فرض سيطرته على مواقع استراتيجية داخل العاصمة الخرطوم، ويتقدم حالياً نحو آخر معاقل الميليشيا في منطقة “أمبدة” غرب أم درمان، في تطور يعتبر منعطفاً حاسماً في مسار الحرب المستمرة منذ تمرد قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في أبريل 2023.

استعادة المبادرة العسكرية

بعد أكثر من عام من التراجع، شهدت منتصف عام 2024 تحولاً في موازين القوى، حيث تمكن الجيش من استعادة الخرطوم بحري وشرق النيل، وهو ما فتح له الطريق نحو قلب العاصمة. في مارس 2025، أعلن الجيش استعادة القصر الجمهوري ومطار الخرطوم الدولي، وظهر القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، داخل القصر لأول مرة منذ عامين، معلناً أن “الخرطوم باتت حرة”.

وبحلول أبريل 2025، فرض الجيش سيطرته على خمس من محليات الخرطوم السبع، فيما تراجعت ميليشيا الدعم السريع إلى جيوب محدودة في أم درمان وأمبدة. أدى ذلك إلى عزل قوات الدعم السريع، وقطع خطوط إمدادها، مما وضعها في موقع دفاعي حرج.

الأبعاد السياسية للتحول الميداني

سيطرة الجيش على العاصمة تمثل نقطة تحول ذات أبعاد سياسية عميقة. فقد استعادت المؤسسة العسكرية زمام المبادرة، وعززت من شرعيتها أمام القوى المحلية والإقليمية، وبرز ذلك في مشاركة البرهان في فعاليات دبلوماسية دولية، منها منتدى أنطاليا.

في المقابل، مثل فقدان القصر الجمهوري والمطار ضربة معنوية وعسكرية قوية لقوات الدعم السريع، التي كانت تستخدم سيطرتها على هذه المواقع في دعايتها السياسية. كما أدى تراجع الدعم السريع إلى تقوية موقف القوى السياسية والمدنية المناهضة له، خاصة بعد توثيق انتهاكات خطيرة ارتكبتها الميليشيا في دارفور وولاية الجزيرة.

خيارات الدعم السريع وإعادة تموضعه

ورغم هذه الخسائر، ترفض قوات الدعم السريع الاعتراف بالهزيمة، وتصف انسحابها من الخرطوم بأنه “تكتيكي”. وأعلن حميدتي استمراره في القتال، مع التركيز على غرب السودان، خاصة الفاشر، حيث لا تزال الميليشيا تحتفظ بنفوذ واسع في دارفور وكردفان.

وتسعى قوات الدعم السريع إلى تغيير طبيعة الصراع من مواجهة ثنائية إلى قضية وطنية أوسع، من خلال التحالف مع قوى مسلحة مثل الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، وطرح مطالب تتعلق بالأقاليم المهمشة. ومع ذلك، تواجه هذه المحاولات عقبات كبيرة، بسبب سجلها الميداني الدموي وصورتها كميليشيا خارجة عن القانون.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل النزاع

1. الحسم العسكري لصالح الجيش

من خلال مواصلة العمليات حتى إنهاء وجود الدعم السريع، وهو ما يعني استعادة الدولة لسيادتها الكاملة. لكن هذا المسار مكلف زمنياً وبشرياً، وقد يؤدي إلى مزيد من النزوح والصراعات القبلية، خاصة في دارفور.

2. حرب استنزاف طويلة

قد يحافظ الجيش على المناطق المركزية، بينما تسيطر الميليشيا على الأطراف، ما يؤدي إلى واقع شبيه بالتقسيم غير المعلن، مع وجود إدارات موازية، مثل ما حصل قبل استقلال جنوب السودان.

3. تسوية سياسية تحت الضغط

ربما تفرض الظروف الدولية والإنسانية حلاً تفاوضياً، خاصة إذا طال أمد الحرب وتزايدت الكلفة. وقد يشمل ذلك ترتيبات انتقالية جديدة تقصي الدعم السريع من المشهد العسكري والسياسي.

4. تدويل الصراع وتفجّره إقليمياً

يتوسع الصراع ليشمل دولاً مجاورة مثل تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، عبر تدفق السلاح والمقاتلين، ما يفتح الباب أمام حرب إقليمية بالوكالة تعمّق الأزمة.

تسوية سياسية شاملة: الخيار الأمثل

رغم الانتصارات العسكرية للجيش، فإن استقرار السودان لا يتحقق إلا عبر تسوية سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة، وتضع حداً لدوامة العنف. ويظل خيار المواطنة والمساواة والعدالة هو الطريق الوحيد نحو دولة مدنية مستقرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى