عندما يفكر الوزير خارج الصندوق :أسامة الأزهري.. نموذجًا

بقلم 🖋 محمد ممدوح أبو الفتوح*
لا شك أن عمل أي وزير يتوزع بين نوعين من المهام؛ الأولى ذات طابع إداري تقليدي، ترتبط بتنفيذ اللوائح والقوانين المنظمة للعمل الوزاري، وهي مهام تكاد تتشابه بين مختلف الوزراء، كونها محكومة بقواعد ثابتة. أما النوع الثاني، فهو الأكثر أهمية، ويتمثل في القدرة على الإبداع والتفكير التباعدي وطرح البدائل غير التقليدية لحل المشكلات، وصياغة رؤى تطويرية تقوم على استشراف المستقبل ومعالجة التحديات المحتملة.
هذا النوع من التفكير يدخل ضمن ما يمكن أن نطلق عليه الكفاءة الشخصية للوزير، لا مجرد كفاءته الإدارية، وهي التي تُعد المعيار الحقيقي لنجاحه، من خلال المزاوجة بين تسيير الأعمال اليومية وتطوير الرؤية الشاملة.
وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار فضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف المصري، نموذجًا جديرًا بالتأمل، خصوصًا بعد استعراضه عددًا من الأفكار والمبادرات غير التقليدية خلال لقائه الأخير مع دولة رئيس مجلس الوزراء.
الملمح الأول: عودة الكتاتيب بروح عصرية
عرض الدكتور أسامة الأزهري مبادرة طموحة تحت عنوان “عودة الكتاتيب”، في إطار المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان”، بهدف إحياء الدور التربوي والديني الريادي للكتاتيب في تنشئة الأجيال على القيم الإسلامية الوسطية وتعزيز اللغة العربية، لغة القرآن الكريم.
وقد استقبلت المبادرة حتى الآن 2026 طلبًا عبر المديريات الإقليمية، ولا يزال باب التسجيل مفتوحًا. اللافت في هذا الطرح هو الجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ حيث تسعى المبادرة إلى استعادة الدور التربوي التاريخي للكتاتيب المرتبط بجيل المثقفين والعظماء في الذاكرة المصرية، ولكن بأدوات عصرية تواكب الزمن، في محاولة جادة لكسر موجات الاغتراب الثقافي والهووي التي عصفت بالمجتمع مؤخرًا.
الملمح الثاني: التكنولوجيا لخدمة الدين والتعليم
لم تتوقف رؤية الوزير عند حدود الفكرة، بل امتدت إلى تسخير أدوات التكنولوجيا الحديثة لخدمة المشروع، عبر تزويد الأطفال بتطبيقات الهواتف الذكية وأجهزة التابلت، وتوظيف تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتقديم فهم تفاعلي لمعاني القرآن والسنة النبوية.
كما شملت المبادرة خططًا لتأهيل المعلمين من الشيوخ والوعاظ عبر برامج تدريبية متخصصة، تضمن رفع كفاءتهم التربوية والدعوية بما يضمن التفاعل الإيجابي مع النشء، وتقديم مفاهيم الدين الحنيف بطريقة مبسطة وجاذبة.
الملمح الثالث: منصة إلكترونية لتجديد الخطاب الديني
وفي خطوة أخرى تعكس وعي الوزير بأهمية مواكبة التطور الرقمي، طرح رؤيته لإطلاق منصة إلكترونية متكاملة لوزارة الأوقاف، تهدف إلى تجديد الخطاب الديني وتقديم محتوى دعوي معاصر، يتماشى مع تطلعات المجتمع وتحدياته، ويخاطب مختلف شرائح الجمهور بلغة العصر ووسائله.
الملمح الرابع: “صحح مفاهيمك”.. مواجهة فكرية هادئة
ضمن استراتيجية الوزارة لتقديم خطاب دعوي علمي رصين، استعرض الدكتور أسامة الأزهري موقف مبادرة “صحح مفاهيمك”، التي تُعد أحد المحاور الرئيسية في خطة العمل الدعوي الجديدة، وتستهدف معالجة المفاهيم المغلوطة والظواهر السلبية المنتشرة في المجتمع.
وستُقدم المبادرة خطابًا متجددًا عبر أدوات دعوية علمية حديثة، قادرة على الوصول إلى العقول والقلوب، بما يسهم في بناء وعي ديني ومجتمعي مستنير يتفاعل بوعي مع الواقع ويواجه التطرف والانغلاق بالفكر والتنوير.
كلمة أخيرة: فكر يستحق الدعم
في ظل ما نواجهه من تحديات فكرية وقيمية، لا يسعنا كمجتمع يتوق إلى التحديث والتجديد، إلا أن نثمّن هذا الفكر التنويري التطويري الذي طرحه وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، وندعو إلى دعمه ومساندته، كي يشق طريقه نحو مجتمع يستحق منا جميعًا العمل المخلص والتكاتف للنهوض به.
حفظ الله مصر والمصريين.
*محمد ممدوح أبو الفتوح
الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي