أراء وقراءاتفلسطين

اسماعيل رمز الفداء .. وغزة على المذبح دون فداء

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير


 القصة الخالدة… طاعة وفداء

في كل عيد أضحى، نعيد سرد القصة ذاتها:
نبيّ يواجه أمرًا إلهيًا عسيرًا،
وابنٌ يسلّم أمره عن طيب نفس،
وسكينٌ لا تذبح،
وفداءٌ من السماء يهبط ليخلّد اللحظة كرمزٍ للتسليم، والطاعة، والنية الخالصة.


 من جوهر الفداء إلى طقوس محفوظة

لكن السؤال المؤلم هو:
متى تحوّلت الأضحية من روح الفداء إلى طقوسٍ محفوظة؟
نمارسها دون أن نفهم جوهرها، أو نطبّق معناها في حياتنا!
متى كففنا عن التضحية بما يليق، وصرنا نضحي بمن استأمنا على أرواحهم لنعيش نحن براحة؟


 إسماعيل… نموذج للتضحية الحقيقية

ذلك الفتى إسماعيل، الذي قال:

﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾
لم يكن يُعلّمنا فقط الطاعة،
بل يُعلّمنا كيف نُقدّم أنفسنا قربانًا لطاعةٍ أعلى من الغريزة، وأسمى من البقاء.

كان نبي الله إسماعيل مشروعًا لأمةٍ تعلو فيها الروح، وتصغر أمامها الأجساد،
لكن أمة إسماعيل اليوم…
لم تعد تضحي بالأنا والسلطة والراحة، بل ضحّت بإسماعيل نفسه، وبكل من يشبهه.


 غزة… على المذبح دون فداء

أمة ضحّت بفلسطين، نعم، ضحّت بغزة.

غزة اليوم ليست إسماعيل الذي فُدي بكبش،
بل هي الابن الذي تُرك على المذبح،
دون فداء،
دون سكين تُرفع،
ودون قلبٍ يرتجف.

في غزة، صار الدم عادة، والأموات رقمًا،
وأصوات الأطفال تحت الركام صارت “ضجيجًا” يزعج الإعلام،
لكنها صرخة في وجه أمة فقدت الضمير،
صرخة تقول:
أنتم لم تفدوا غزة، بل تخلّيتم عنها…
على مذبح التحالفات، والمصالح، واللامبالاة.


 هل يجوز أن نحتفل ونحن نذبح الأبرياء؟

فهل ما زال لنا الحق أن نذبح الأضاحي ونحن نشاهد الأطفال يُذبحون مجانًا؟
هل لنا أن نأكل لحم الأضاحي، وهناك قلوبٌ توقّفت تحت أنقاض غزة؟
أرواحٌ صعدت لا لذنب، سوى أن الضحية هذا العام ليست كبشًا…
بل أطفالًا، ونساء، وشيوخًا.


 ماذا سنضحي به نحن؟

والسؤال الأخطر:
ما الذي نحن مستعدون أن نُضحي به فعلًا؟
هل نجرؤ أن نضحي براحتنا، بسكوتنا، بأنانيتنا… لأجل القضية؟
أم أن غزة ستبقى القربان الوحيد في زمنٍ أصبحت فيه الطقوس أثمن من الإنسان؟


 الفداء لا يُؤخذ من الأبرياء… بل يُقدَّم من الشرفاء

الفداء الحقيقي ليس أن نُقدّم الضعفاء لحماية الأقوياء،
بل أن نُضحّي بالباطل لنصرة الحق.
وسيدنا إبراهيم لم يُذكر في القرآن لأنه أراد ذبح ابنه،
بل لأنه كان مستعدًا أن يضحّي بكل شيء… من أجل الله فقط.


مرآة العيد… من نُشبه حقًا؟

وفي يوم الأضحى، لننظر إلى أنفسنا في المرآة:

هل نشبه إبراهيم؟
أم نشبه من باعوا يوسف بثمن بخس؟
هل نشبه إسماعيل؟
أم نشبه من صمتوا حين رأوا الأطفال يُسحبون من تحت الركام… بلا فداء، بلا صوت، بلا حياة؟


 الختام: غزة ليست أضحية

غزة ليست أضحية…
غزة صرخةٌ في وجه كل من نسي أن الفداء لا يُؤخذ من الأبرياء…
بل يُقدّم من الشرفاء.

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى