صرخة من مقاعد الثانوية العامة .. الحق في الحياة قبل الحق في الإجابة

بقلم /حسن السعدني
في صباح مشمس، يدخل الطالب امتحانه متوترًا كأنما يدخل معركة، ثم يخرج منه منهكًا، فيعود إلى منزله صامتًا، و بعد ساعات… يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم يكن مريضًا، لم يصطدم بسيارة، لم يسقط من شاهق، فقط… امتحن!
التقرير الطبي: سبب الوفاة امتحن
قد تبدو الجملة الأخيرة عبثية، لكنها حقيقية حد القسوة. هذه الحكايات لم تعد استثناءً، بل تتكرر كل عام مع ارتفاع أصوات النحيب على أبواب اللجان، وداخل غرف الإنعاش، وفي جنبات القرى المنكوبة برحيل زهرة عمرها.
لماذا يموت الطلاب بعد الامتحانات؟
هل هو الامتحان؟ أم المنظومة كلها؟ لعلنا بحاجة إلى الإجابة الشافية لا إلى التعاطف العابر.
ومنها :
١- ضغط نفسي هائل:
الثانوية العامة في مصر ليست مجرد سنة دراسية، بل هي معركة مصيرية تُحمَّل فيها أحلام الأهل ومستقبل الطالب وتقييم المجتمع. الطالب لا يدرس ليعرف، بل يدرس لينجو.
٢- ثقافة التفوق القاتلة:
“لو حققت أقل من ٩٨٪ ستدخل في تفق معتم ”
… عبارة تقال يوميًا وتغرس الرعب في قلوب الأبناء، وتجعلهم يشعرون أن أي فشل هو نهاية الحياة. هذه الثقافة تنزع من الطالب حق الخطأ، وحق التجربة، وحق التنوع في القدرات.
٣- غياب الدعم النفسي:
لا يوجد طبيب نفسي أو مرشد تربوي في أغلب المدارس الحكوميةوإن وجد فأين الطالب؟
الطالب يذهب وحده إلى الامتحان، ويعود مثقلاً بوحدته، لا يسمعه أحد، لا يحتضنه أحد. البعض منهم ينهار… وبعضهم يسقط.
٤- نظام تعليمي جامد لا يرحم:
أسئلة تميل أحيانًا إلى التعقيد المفرط، وساعات امتحان مرهقة، وتقييم غير شامل للمهارات الحقيقية. نظام قائم على الفرز لا على البناء، وعلى السباق لا على التعلم.
النتائج كارثية:
– انهيارات عصبية وجسدية.
– وفيات مفاجئة بسبب الجلطات أو السكتات
أو الانتحار.
– كراهية متزايدة للتعليم.
– إرهاق أسري واقتصادي شامل.
حلول جذرية وإنسانية
ولكن هل من حلول حقيقية؟
نعم، ولكن لا بد أن تكون جذرية وإنسانية لا تجميلية. ومنها :
١- تحويل الثانوية العامة من “رهبة” إلى “مرحلة
تقييم” فقط.
٢- كسر وهم أنها “تحدد المصير”، والعودة إلى الاعتراف أن الإنسان أكثر من مجرد رقم.
٣- إدخال الدعم النفسي الإلزامي في كل مدرسة.
نحتاج إلى مستشار نفسي لا يقل أهمية عن
المعلم. الطالب يجب أن يجد من يستمع له
ويدربه على التنفيس الصحي والتكيف.
٤- تنويع طرق التقييم.
الاعتماد على الامتحان الورقي وحده ليس عادلاً. لماذا لا تكون هناك درجات للمشروعات، والعروض، والمشاركة؟ أين الإبداع في التقييم؟
٥- إعادة النظر في الهرم الجامعي.
لماذا الطب والهندسة في القمة دائمًا؟
لماذا لا نصنع إعلامًا يروج لفكرة أن الحرفي والمبرمج والمصمم والفنان مهمون كالطبيب؟ المجتمع المتوازن لا يقوم على فئة واحدة.
٦- إعلام مسئول وأسرة متزنة.
يجب أن تتوقف الحملات الإعلامية التي تلهب المبالغة في ربط الحياة بالدرجات. كما يجب على الأسرة أن تتعلم أن أبنائها بشر، لا آلات.
وفي النهاية : هل ننتظر ضحية جديدة؟
ما يحدث ليس “قدَرًا”، بل نتيجة لصمتنا الجماعي. كل طالب يرحل عقب الامتحانات هو جرس إنذار جديد. فإما أن نستجيب ونغيّر، أو نظل نكتب المراثي عامًا بعد عام.
ليتنا نمنح أبناءنا الحق في الحياة… قبل أن نسألهم عن حق الإجابة.
حسن محمد السعدني
كبير معلمي اللغة العربية مدرسة السعدية الثانوية
إدارة شربين التعليمية