سماعة الغش… قنبلة صامتة تنفجر في ضمير الأمة كل موسم امتحانات

بقلم/ حسن السعدني
سماعة الغش ليست مجرد أداة إلكترونية، بل كائنٌ شيطانيٌّ خبيث، تسرّب من رحم الجشع واللامبالاة، وترعرع في حضانة “الكل ناجح، والكل فالح”، وشبّ في كنف شعار “هاتوا النتيجة والباقي بعدين”.
إنها ليست سماعة، بل قنبلة صامتة تنفجر في ضمير الأمة كل عام، وتترك رائحة احتراقٍ تتصاعد من جدران المدارس وأوراق الامتحانات.
“إبليس” يقرأ كتاب الفساد
في لجنة الامتحان، يجلس ذلك الطالب متأنّقًا، وجهه يشعّ بنور العلم زورًا وبهتانًا، وفي أذنه تلك السماعة الصغيرة، كأنها “جبريل” ينقل إليه الوحي، لكنها – في الحقيقة – “إبليس” يقرأ عليه من كتاب الفساد بصوت رخيم.
يطأطئ رأسه تواضعًا – أو تمويهًا – ويتظاهر بالتفكير، والحقيقة أنه يُصغي لرفيقٍ في أقصى الأرض، يلقّنه الإجابات كما تُلقَّن الشهادة للمحتضر!
نجاح بالتوصيلة… لا بالعقل
يا للعجب! لقد تحوّل الامتحان من ساحة اختبار إلى عرضٍ كوميديٍّ ساخر، يجلس فيه الطالب كالمُمثّل، يردّد ما يُملى عليه بلا فهمٍ ولا وعي، في مسرحيّة عبثيّة عنوانها:
“العقل في إجازة… والنجاح بالتوصيلة!”
ويا للعار… حين تصبح سماعة الأذن أبلغ من الكتاب، وأعلى صوتًا من المعلّم، وأقوى أثرًا من المدرسة والبيت والمجتمع معًا!
هل تنهض أمةٌ بسماعة غش؟
هل تُبنى حضارةٌ على سلكٍ خفيٍّ يتّصل بجهالةٍ ناطقة؟!
إننا – والله – لا نحارب جهازًا إلكترونيًّا، بل نحارب فكرًا مريضًا، واستخدامًا سيئًا، وفكرةً خبيثةً مسمومة، مؤدّاها: أن النجاح يُشترى، وأن الفشل يمكن تغليفه بسماعة!
تبريرات مرفوضة
وقد حاول البعض تبرير هذا الانحراف، فقال كذبًا: “الطالب مضغوط نفسيًّا”…
فيا للعجب! منذ متى كان الغش علاجًا نفسيًّا؟!
أهو دواءٌ جديد لا يُباع في الصيدليات، بل يُباع في الأزقّة وعلى صفحات الإنترنت، مع ضمان “تفتيح العقول المغلقة بريموت خارجي”؟!
أيها الآباء!
يا من تضعون سماعة الغش في آذان أبنائكم،
اعلموا أنكم تضعون قنبلةً في رءوسهم، ومسمارًا في نعش الوطن.
أنتم لا تساعدونهم، بل تدفعونهم ليسقطوا من قمة الجبل إلى وادٍ سحيق، بلا مهارات، بلا قيم، بلا كرامة علميّة!
يا سماعة الغش…
ارحلي غير مأسوفٍ عليكِ، فقد خذلتِ الشرفاء، وأطعمتِ الطامعين وهمًا.
ارحلي، فما زال في هذا الوطن نفوسٌ أبيّة، تؤمن أن التفوّق لا يُؤخذ همسًا، بل يُنتزع عرقًا.
وسلامٌ على الطالب الذي أبى، وعلى المعلّم الذي ربّى، وعلى وطنٍ يحلم أن يسمع في لجان الامتحان صوت العقل… لا صوت الغشّاشين.
حسن محمد السعدني
كبير معلمي اللغة العربية مدرسة السعدية الثانوية
إدارة شربين التعليمية