
بقلم / حسن السعدني
لم يعد مشهد الإعلان عن “الحاجة إلى مدرس” أمرًا يدهشنا. بل أصبح من المناظر اليومية المعتادة، تتكرر بلا توقف على الصفحات العامة ومجموعات التواصل، لكنّها توجع القلوب التي نبضت ذات يوم في محراب التعليم، ووهبت عمرها لإشعال النور في دروب الآخرين.
Table of Contents
Toggleساحة مزاد لا مقام مهنة!
ما إن يُنشر إعلان – ولو بسيطًا – حتى تشتعل التعليقات وتتدافع الأيدي:
“أنا جاهز”،
“هذه شهاداتي”،
“فلان هو الأفضل عن تجربة”،
وكأننا في ساحة مزاد، لا مقامٍ يليق بمن يحملون أشرف رسالة عرفتها البشرية!
المأساة لا تقف عند حدود التهافت المشروع على العمل، بل تتجاوزها إلى ما هو أفظع وأقسى: حين يُصبح الإعلان ذاته محلًا للسخرية والتندر. إذ يقوم البعض بنشر إعلانات وهمية – لا وظيفة وراءها – فقط لرصد عدد المتقدمين، وجمع “الإعجابات”، والضحك على حساب من يطرق باب الرزق بوجع وأمل!
“أنا” تخفي آلاف الحكايات
لا يُنكِر أحدٌ حق الإنسان في تحسين معيشته، فهذا مطلب طبيعي. لكن هل يليق أن نُقدِّم أنفسنا كما تُعرَض البضائع؟ وهل يحق لمن يُعلن عن فرصة أن يتحول إلى صيّادٍ يتلذذ بحاجات الناس، أو مهرّجٍ يسخر من صدق الباحثين عن لقمة عيش؟
الإعلان عن وظيفة مسؤولية، لا نكتة عابرة، ولا وسيلة لجذب التفاعل.
وراء كل “أنا” يكتبها معلم، هناك ألم دفين، وبيت ينتظر، وأبناء يحلمون بغدٍ أفضل… لكنها كلمة يكتبها بصمت وكبرياء.
المعلم… لا يُقزَّم ولا يُهان
لا تُطفئ نورك لتُرضي من لا يرى ضوءك…
ولا تُقزّم نفسك لتُرضي عينًا لا تُبصر قدرك.
أيها المعلم، قدرك أسمى من مزاد الوظائف، ورسالتك أعمق من أن تختزل في “تعليق”.
وأنت أيها المُعلِن، إن لم تكن تملك فرصة حقيقية، فلا تفتح باب الأمل الكاذب، فإن وراء كل “مطلوب مدرس” قلبًا مكسورًا لا يُظهر إلا نصف الحكاية.
فلنُعِد للوظيفة قدسيتها
فلنعيد للإعلان هيبته، وللمهنة شرفها، وللتعليم قدسيته…
بأن نُعيد للوظيفة معناها الحقيقي:
كفاءة تُقدَّر، لا صفقة تُساوَم.
حسن محمد السعدني
كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية
إدارة شربين التعليمية