أراء وقراءات

اللغة العربية وتعزيز الانتماء الوطني

العربية.. هوية تنبض في شرايين الوطن

بقلم / حسن السعدني

ستظلُّ اللغة العربية – بإذن الله – حصنًا منيعًا وسراجًا وضاءً، تشعّ منه شعلة الانتماء وتنبض في شرايينه الهوية الوطنية.
فهي ليست مجرد أداة تواصل، بل نبض القلب القومي، ووشاح المجد الحضاري، وراية خفّاقة تعلن أن لهذه الأرض لسانًا لا يُشبه سواه، ولا يُروى إلا من ماء النيل والتاريخ والتراب.


اللغة.. مرآة الفكر وخزان القيم

اللغة ليست كلماتٍ نلوكها، بل مرآة الفكر، وسجِلُّ الذاكرة الجمعية، وخزان المعتقدات.
وحين نقول “اللغة العربية”، فإننا لا نُشير إلى حروف الأبجدية فقط، بل نُعلن ولاءً للضاد، وانتماءً لثقافة متجذرة من الشعر الجاهلي وحتى قصائد محمود درويش وأغنيات سيد درويش.


“وطني” في اللغة.. نداء الأرض والسماء

عندما نقرأ في العربية كلمة “وطني”، نشعر أن الأرض تنطق، والسماء تبارك، والتاريخ يبتسم.
وعندما نكتب “مصر”، تتسلل إلى الحروف رائحة النيل، وصوت الأذان، وضجيج الأسواق، وأناشيد الطفولة، وقراءات الجدّات.


العربية.. منحازة بفخر إلى الأوطان

العربية ليست محايدة، بل منحازة لقضايا أوطانها، للكرامة، للحرية، للصمود.
الناشئة حين يتذوقون جمالها، لا يتعلمون قواعد النحو فحسب، بل يتشربون حب الوطن دون وعي مباشر.


المدرسة.. موطن غرس الهوية اللغوية

حين يحفظ الطالب نشيدًا باللغة العربية الفصيحة، أو يُلقي خطبة صباحية، أو يكتب عن أمجاد بلاده، فهو في الحقيقة يغرس جذور الولاء في أعماق قلبه.

أليست قصيدة حافظ إبراهيم:

“أنا البحر في أحشائه الدر كامن
**فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟”
دعوة صريحة للغوص في مكنون اللغة لاستكشاف كنوز الأمة؟
أليست:
“كن جميلاً ترَ الوجودَ جميلاً”
دعوة لبناء وطن بالجمال والفكر؟
أليست:
“وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه”
قسمًا لا يُقسم إلا على المصحف والوطن؟


كل بيتٍ فصيح.. راية وطنية

كل نص أدبي نُدرّسه هو درس في المواطنة، وكل بيت شعر فصيح هو علمٌ يُرفرف في وجدان التلاميذ.
أما إذا تكلمنا في بيوتنا بغير لغتنا، أو دسّنا الكلمات الدخيلة في أحاديثنا، فإننا – دون قصد – نهدم جدارًا من جدران الانتماء.


المعلمون.. حراس اللغة والوطن

يا معلمي العربية، أنتم حراس اللغة في مدارسنا، وجنودها في ساحات التعبير والإملاء.
لسنا فقط معلّمين، بل سفراء وطنية نغرس حب العربية لا بالحفظ فقط، بل بالإبداع، والتمثيل، والتعبير الذاتي.

واجبنا أن نربط بين قواعد اللغة وأخلاق المواطن، وبين النص الأدبي والسلوك الوطني.
نُعلّم أبناءنا أن البلاغة ليست في الصور فقط، بل في المواقف، وأن الانتماء لا يُعلّق كشعار، بل يُمارَس حين يُتقن الطالب خطاب أمته، ويحترم لسانها.


اللغة العربية.. حياة لا تراث

اللغة العربية ليست تراثًا نُحنّطه، بل حياة نُحييها.
ليست ماضيًا نرويه، بل مستقبلًا نبنيه بوعي لغوي صادق.
وإن أردنا لوطننا أن يظل شامخًا، فلنُبْقِ لغته شامخة، لأن “اللغة هوية، ومن ضيّع لسانه، ضيّع عنوانه”.


ختامًا: لنجعل العربية نشيدنا الدائم

فلنحمِ العربية كما نحمي العلم،
ولنزرعها في قلوب أبنائنا كما نزرع النشيد الوطني،
ولنجعلها دائمًا لغة القلب والعقل والولاء.

حسن محمد السعدني

كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية

إدارة شربين التعليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى