أراء وقراءات

 إسرائيل ومشروع تفكيك الأمة في ثوب الإنسانية الكاذب

بقلم / مدحت سالم 

**طبيعة الصراع في سوريا: زلزال جيوسياسي عميق

ما يجري اليوم في سوريا ليس مجرد صراع محلي ولا هو خلاف طائفي محدود أو عملية أمنية اعتيادية بل هو ارتداد عنيف لزلزال جيوسياسي تم التخطيط له منذ عقود وأُطلق تنفيذه بأدوات متعددة وبأقنعة مختلفة أبرزها قناع الطائفية والحرب على الإرهاب وأخيرًا قناع الحماية الإنسانية المزعومة لما يسمى بالأقليات ومن لم يفهم بعد أن إسرائيل ليست مجرد كيان استعماري تقليدي بل مشروع توسعي طويل النفس فإن عليه أن يفتح عينيه اليوم لا على الضربات الجوية ولا على التصريحات السياسية بل على الخريطة نفسها خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي يُصاغ من جديد بالدم والدمار والفتنة

 

**توقيت الضربات الإسرائيلية استهداف الدولة الموحدة

 

إسرائيل لا تضرب دمشق لأنها في خطر ولا لأنها ترد على تهديد بل لأنها وجدت اللحظة المناسبة لضرب العمق السوري بينما النظام الجديد لا يزال هشًا مفرغًا من القدرة ومفتقدًا للشرعية السياسية والعسكرية إسرائيل تضرب الآن لأنها تدرك أن من يمسك العاصمة لا يملك مفاتيح القوة ومن يسكن القصر لا يحكم الأرض ومن يرفع الراية لا يعني أنه يُهاب على الحدود إنها تضرب اليوم لتضع المسمار الأخير في نعش ما تبقى من الدولة السورية الموحدة

**أهداف التفكيك: إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية

ومن يظن أن العدوان الإسرائيلي له علاقة بصراع النظام مع الدروز فقط فهو لا يرى إلا السطح فالحقيقة أن مشروع التفكيك لا يُدار بردات الفعل ولا بنصرة مظلومية هنا أو هناك بل يُدار بخيوط طويلة تمتد من واشنطن إلى تل أبيب ومن أربيل إلى التنف ومن هناك إلى عمق الخليج فالهدف هو إعادة رسم الممرات الاستراتيجية وفرض واقع جديد يُخرج مصر من معادلة التحكم في الشحن العالمي ويفكك مشروع الحزام والطريق الصيني ويعيد ربط إسرائيل تجاريًا وعسكريًا بآسيا الوسطى والخليج بدون المرور من بوابة العرب

**ممر داوود: شريان جيوسياسي يستهدف العرب

ممر داوود كما أشار المقال هو أكثر من مجرد طريق إنه شريان جيوسياسي يتقاطع مع مصالح دول كبرى ويهدد توازنات إقليمية تاريخية ويكفي أن نعلم أن هذا الممر يمر من الجولان المحتل ودرعا والسويداء وينتهي في كردستان العراق ليكون بذلك خطًا عابرًا لكل ما هو عربي وسوري ووطني ولا يمكن فهم تغلغل إسرائيل في هذه المناطق إلا في ضوء هذا المشروع الذي يُراد له أن يتحول من فكرة إلى واقع بالقصف والتجريف والطائفية والتدمير الممنهج

**دعم الأقليات: أداة لتفتيت الدول

إسرائيل لا تدعم الدروز حبًا فيهم كما لم تدعم الجنوبيين في لبنان ولا الأكراد في العراق ولا أي أقلية في أي مكان إلا حين يكون دعمها لهم وسيلة لضرب الأكثرية وتفتيت الدولة وتقسيم الأرض وتقويض الوحدة الوطنية وهي تلعب اليوم لعبتها القديمة بأسلوب جديد مستفيدة من حالة الانهاك الشاملة التي تعيشها الدول العربية ومن غياب أي مشروع قومي أو إسلامي جامع يمكن أن يشكل حالة ردع فعلية أو حتى خطاب مقاومة حقيقي

** خطر التضليل: بروتوكولات التفتيت

والأخطر من القصف هو القبول بالصمت والأخطر من الاغتيالات هو التضليل الإعلامي الذي يصور الأمر كصراع داخلي أو نتيجة أخطاء سياسية محلية بينما الحقيقة أن ما يجري هو تنفيذ حرفي لبروتوكولات التفتيت التي وُضعت منذ عقود فالتقسيم لا يبدأ بإعلان الدول بل بتكريس الهويات المتقاتلة والولاءات المتضادة والنعرات التي تغذيها إسرائيل ثم تتدخل بلباس المنقذ وتضرب بقوة النار تحت غطاء الإنسانية والديمقراطية والتعايش

تواطؤ دولي وإقليمي: كارثة استراتيجية

ولا ننسى أن إسرائيل اليوم ليست وحدها في المشهد بل يقف خلفها دعم أمريكي مباشر وتواطؤ غربي سافر وصمت دولي مدفوع الأجر وتواطؤ أنظمة عربية لا ترى في فلسطين والقدس ولا في دمشق وحلب ولا في الموصل وصنعاء سوى ساحات مستهلكة لا تستحق الدفاع بقدر ما تستحق التسويق كمشهد جديد لعصر الانبطاح

**رسائل الأفعال: استهداف كيان الدولة

وما لا يقال في البيانات يقال في الأفعال فحين تُقصف العاصمة السورية في وضح النهار وتُستهدف مؤسسات الدولة من دفاع وأركان ورئاسة وتُضرب السويداء ودرعا وتُسند العمليات بفصائل عميلة ودعم جوي مباشر وتواطؤ استخباري متعدد الأذرع فنحن أمام كارثة استراتيجية لا أمام حادث عابر

**الوعي العربي: مواجهة مشروع التوسع

إن أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم ليس فقط تغلغل إسرائيل في الجغرافيا بل في الوعي العربي الذي أصبح مستهلكًا للمشهد عاجزًا عن الفعل فاقدًا للبوصلة ولا حل أمامنا إلا بالعودة إلى أصل المعركة إلى فهم أن إسرائيل ليست دولة طبيعية بل مشروع استيطاني قائم على التوسع والتغلغل والاختراق والتقسيم وأن الصمت عليها مشاركة في الجريمة وأن المهادنة ليست نجاة بل استدراج لذبح مؤجل

دروس التاريخ: اجتثاث السرطان الصامت

التاريخ يعيد نفسه ولكننا لا نقرأه واليوم تُضرب دمشق كما ضُربت بيروت وتُفكك سوريا كما فُككت العراق وليبيا واليمن والدور باقٍ يتنقل في جسد الأمة كسرطان صامت ما لم يتم اجتثاثه بفكر مقاوم لا يعرف الحياد ولا يقبل الهزيمة

التحذير الأخير: الخطر على العقل العربي

**وختامًا نُحذر لا من القصف وحده بل من المشروع كاملاً مشروع إعادة صياغة الأمة على يد الذئب الذي يرتدي ثوب الحمل وحين تنتهي الضربات التحذيرية وتبدأ الضربات الموجعة فإننا ندرك أننا إن لم نقاوم اليوم فسنبكي غدًا لا على سوريا وحدها بل على وجودنا كله

فالخطر ليس على حدود سوريا بل على حدود العقل العربي الذي تأخر كثيرًا في فهم ما يُراد به.

مدحت سالم 

كاتب وباحث 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى