طوفان أمريكا… ونوح غزة الذي ما زال يبني فُلكه

بقلم أيقونة الاتزان/ السفير د.احمد سمير
ها هي أمريكا تغرق… حرفيًا في فيضانات، وأعاصير، وعواصف ناس يفرون، كهرباء تقطع، مباني تنهار، وصور الطوفان تنتشر على الشاشات كأنها مشهد من فيلم نهاية العالم لكن لا تقلق، فهذه ليست نهاية العالم إنها مجرد “نُسخة تجريبية” لما يحدث يوميًا في غزة منذ سنوات، ولكن بالماء… وليست بالصواريخ.
في أمريكا، يسمونه “كارثة طبيعية”
وفي غزة، يسمونه “ردًا على استفزازات مسلحة!”
في أمريكا، يُرسل ترامب فرق الإنقاذ والإغاثة.
وفي غزة، يُرسل ترامب الذخيرة و”الدعم اللامحدود لإسرائيل”
الفرق واضح… لأن طوفان الماء في الغرب مأساة، أما طوفان الدم في غزة فـ”تأقلم جيوسياسي”!
في قصة نوح عليه السلام النبي الذي بُعث في قومٍ طغوا، فأمر أن يصنع فُلكًا في الصحراء، تحت الشمس، ووسط سخرية العامة، ليُنقذ البقية الباقية من الطوفان القادم. لكن مَن يُتابع أخبار غزة يدرك أن هذا الشعب – دون نبيٍّ مرسل – يبني فُلكه كل يوم فُلكٌ من الصبر، وفُلكٌ من الدعاء، وغيرها من الأغاني الحماسية، أو من الجنازات التي تُرفع بالتكبير، ومن الرضا بالبطانيات الممزقة، في قلب الشتاء القارس.
الفرق بين نوح وغزة أن نوح انتظر الطوفان… أما غزة، فهي الطوفان.
تقول الأخبار إن شوارع نيوجيرسي ونيويورك وتكساس وغيرهم تحوّلت إلى أنهار
هنا نسأل سؤالًا بريئًا: هل اتصلت غزة بالبيت الأبيض لتعرض إرسال قوارب النجاة؟
فهم أصحاب خبرة طويلة في العوم وسط الحطام، واستئناف الحياة من تحت الردم والركام وللإنصاف وطبقا لأخلاق ديننا، لم نتمنى لأحد أن يغرق أو يموت.
أما الجانب الأخر وطبقا لسياستهم وليس لأخلاقهم لأنهم بدون أخلاق وليس طبقا لدينهم لأن دينهم خرج مع ديننا من مشاة واحدة يرون أن إبادة غزة أمر حتمي حتى يرتاح الغرب والمتغربين من أبناء جلدتنا
من طوفان نوح إلى فيضانات أميركا، والعالم بينهما يكرر الدرس ولا يفهمه: الماء حين ينزل لا يقرأ بيانات الخارجية، والعدل حين يتحرك لا يطلب إذن مجلس الأمن.
تخيّلوا لو أن المطر يتحدث: كان سيقول لترامب: “أرسلتُ لك عينة تخيّل لو كان بدل الماء نار
تخيّلوا لو أن موجة وقفت أمام شاطئ حيفا وقالت: جئت من غزة… أُذكّركم بمن غرقوا في صمت وقد حان وقت الانتقام
وختاما غزة لم تنتظر فُلكًا ينقذها؛ صارت هي الفُلك فمن ركب معها نجا، ومن تفرج عليها… قد يطفو جسدًا في عمق التاريخ ليكون عبره للمتخاذلين
أيقونة الاتزان
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية