أراء وقراءات

النظارة البيضاء

بقلم: حسن السعدني

تخيّل أن تهديك الحياة نظّارةً بيضاء ليست كغيرها؛
لا ترى بها المستقبل، ولا تُضخّم لك الواقع، بل تُعرّي الحقيقة.
نظّارة إذا وضعتها على عينيك، لم تعد ترى الزيف يختبئ، ولا الأقنعة تنجح في التمثيل.
ترى البشر على حقيقتهم: ابتسامات كاذبة تُخفي أنيابًا، وقلوبًا ناعمة الملمس، خشنة الجوهر، تتظاهر بالنقاء وهي تغلي بالخبث.

 هل نحتمل رؤية الحقيقة؟

فهل تحتمل هذا النظر؟
وهل تطيق العيش في عالمٍ سقطت عنه أستار الوهم؟
يا لها من نعمةٍ تُشبه اللعنة…
“النظارة البيضاء”، حلم الصادقين، وكابوس المنافقين.
سترى ما لا يريد قلبك أن يعترف به، وتفضح ما حاولتَ جاهدًا أن تصدّقه، لا لأنك غافل، بل لأنك عطشان إلى الخير، ولو كان سرابًا!


 تناقضات النفس البشرية

ما أغرب الإنسان…
يكذب ليحيا، ويخدع ليُحب، ويُجامل لينجو، ثم يُباغتك بدهشة ساذجة:
“لماذا لم يعد أحد صادقًا معي؟!”


 هل أملك الشجاعة لأبصر؟

كم تمنيّتُ هذه النظّارة البيضاء…
لا لأتجسّس على القلوب، بل لأُريح قلبي من خديعة الظن الحسن!
لكنني في كل مرة أتردد:
هل أطيق أن أرى؟
هل أقدر أن أُبصر الحقيقة وهي تنهش حُسن الظن؟
ربما ستريني خناجر بأيدي من أحببت، أو تسممني كلماتٌ حسبتُها دعاءً.


بين المواجهة والصمت

فإن رأيت، فهل أفضح؟
هل أُعلن؟
هل أُواجه قبحهم بشجاعة، أم أكتفي بالهمس لنفسي:
“دع الخلق للخالق، والله يتولّى السرائر”؟

لكن مهلاً…
إذا تركتهم لله، فهل سيتركونني أنا لله؟
ها نحن نمضي على حافة الاختيار،
ما بين الانكشاف المُرهق، والتلوّن المُريح،
ما بين الوحدة النبيلة، والصحبة المزيّفة.


 وجه واحد يكفيني

فهل نعيش بألف وجه كي نُرضي الجميع؟
أم نعيش بوجهٍ واحد، لا يُرضي إلا الله، ويكفينا ذلك؟


 إن رأيتِ، فلا تؤذيني

يا أيّتها النظارة البيضاء…
إن كتب الله لكِ أن تحلّي على عيني،
فكوني رحيمةً في صدقك،
علّمي قلبي أن يرى دون أن يكره،
أن يُميّز دون أن يحتقر،
أن يُبصر الحقيقة… دون أن يفقد نبض الرحمة.

كوني نورًا يفتح بصيرتي، لا نارًا تحرقني.
كوني حكمةً تُهذّب قلبي، لا سيفًا يمزّقه.
كوني طريقًا، وإن كنتُ فيه وحدي،
فأنا مع الله، ومن كان مع الله، فليس وحيدًا.

حسن محمد السعدني

كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية

إدارة شربين التعليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى