أراء وقراءاتشئون عربيةفلسطين

صبرا آل غزة…. فإن الذين حوصروا في شعب أبي طالب سادوا العالم بعد ذلك

كتب/هاني حسبو.

“وضعوا له التراب عوضا عن الطعام لعله ينسى جوعه”

“أطفال آخرون لجأوا إلى القمامة بحثا عن الطعام ”

هذه العبارات مأخوذة من تقارير إخبارية تروي لنا مأساة اهلنا في غزة إبان حرب التجويع التي يقودها الكيان الصهيوني ضدهم.

وزارة الصحة في غزة تنشر أرقاما مخيفة عن وفيات بسبب الجوع كل ساعة في نطاق القطاع.

لكن الأرقام لا تداوي الآلام.

الصوت الآن “هل إلى سبيل من لقمة عيش”

هنا ترجع عقارب الساعة إلى الوراء كثيراً:

“رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة… فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم؛ إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيقاً عليهم جداً مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد… ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم وأنه أرسل إليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم؛ إلا ذكر الله عز وجل، فأخبر بذلك عمه فخرج إليهم فأخبرهم أن ابن أخيه قال كذا وكذا، فإن كان كاذباً خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقاً رجعتم عن ظلمنا، قالوا: أنصفت… فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفراً وعناداً… وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب.”هكذا نقل ابن القيم هذه الفترة العصبية في “زاد المعاد ”

هي سيرة عطرة مليئة بالدروس والعبر ومن الممكن مقارنتها وإنزالها على الواقع المعاصر والاستفادة منها في تغييره.

فما أشبه اليوم بالبارحة!

“لكن هذا لا يعني التكلف المبالغ فيه أثناء إنزال أحداث السيرة النبوية على واقعنا المعاصر من خلال التقريب والتشبيه والوصف والمقارنة والمقاربة إلى حد المطابقة الحرفية بكافة تفاصيلها. وإن كان مبدأ الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين الظلم والعدل، صراعًا أزليًا وسنة من سنن الله في الكون ماضية وباقية على وجه الأرض حتى قيام الساعة. ولا بدّ أيضًا لأصحاب المواقف والمبادئ من دفع الثمن الباهظ ، إلا أن لكل مرحلة تاريخية خصوصية، وطبيعة التحولات والظروف التاريخية تختلف عن المراحل الأخرى.”مقتبسة من مقالة “تاملات في حصار شعب أبي طالب وغزة لساهر غزاوي.

يقول الدكتور علي الصلابي في كتابه (السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث): “لقد بلغ الجهد بالمحاصرين حتى كان يسمع أصوات النساء والصبيان يصرخون من شدة وألم الجوع، وحتى اضطروا إلى التقوت بأوراق الشجر، بل وإلى أكل الجلود، وقد ظلت هذه العملية وتلك المأساة البشرية طيلة ثلاثة أعوام كاملة، ثلاث سنوات من الظلم والقهر والإبادة الجماعية، وهي وإن كانت صورة جاهلية من اختراع أهل قريش في ذلك الوقت، إلا أنها -وللأسف- تكررت بعد ذلك كثيرًا، وللأسف أيضًا فإنها في كل مرة كانت تتكرر مع المسلمين فقط”.

ولما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله، وفتح مكة، ثم حجة الوداع، كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤثر أن ينزل في خيف بني كنانة ليتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، وليؤكد قضية انتصار الحق واستعلائه، وتمكين الله لأهله الصابرين، فحينما سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجته أين تنزل غدا؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( .. نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، المحصب، حيث تقاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريش على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤوهم .. )

ولكن مرت الأيام ودانت الدنيا كلها للإسلام وأهله

ولم يرد ذلك المسلمين عن دينهم وثبتوا وواحهوا الصعاب.

إن هذا الحصار الظالم الذي فرضه العدو على المسلمين، كان من التحديات التي واجهت المسلمين قديماً وحديثاً، وهو أسلوب يلجأ إليه العدو عندما لا يتمكن من مقابلة الحجة بالحجة، أو المواجهة، وهدفه من ذلك القضاء على المسلمين، أو إنزالهم عند شروطه الظالمة، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، لأن المسلمين يستمدون قوتهم من الله تعالى، وهم يتمسكون دائماً بالصبر والثبات على الحق، كما ثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه أمام هذه المقاطعة وغيرها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى