المسؤولية الأخلاقية والمعرفية لصانع المحتوى: عندما يصبح التأثير أمانة

بقلم / الدكتورة هناء خليفة
في عصر تزداد فيه منصات النشر الرقمي انتشاراً وسهولة، أصبح صانع المحتوى لاعباً محورياً في تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوك المجتمعي، خاصة بين الشباب والأطفال، فالكلمات لم تعد مجرد عبارات، بل أصبحت محفزات للتفكير، وأحيانًا محركات للتصرف. ومن هنا تنبع المسؤولية الأخلاقية والمعرفية التي ينبغي أن يتحلى بها كل من يمسك بالكاميرا أو يكتب منشورا أو يسجل برودكاست.
المحتوى ليس ترفًا… بل أداة تأثير حقيقي
الدراسات تشير إلى أن الأطفال والمراهقين يقضون ما بين 5 إلى 7 ساعات يوميًا على الإنترنت، أغلبها في متابعة المحتوى الترفيهي. وهنا تكمن الخطورة: فالكوميديا قد تحمل قيمًا، والمعلومات الخاطئة قد تنتشر بسرعة البرق، بينما تصعب عملية التحقق لدى جمهور صغير أو قليل الوعي.
صانع المحتوى هنا لا ينقل فقط، بل يُعيد تشكيل الإدراك. وهذا يستدعي وعيًا بعمق الأثر، وليس فقط السعي نحو الانتشار أو الربح.
الأخلاق أولًا: من يضع الحدود؟
المسؤولية الأخلاقية تعني احترام القيم العامة، والامتناع عن نشر العنف أو التمييز أو التهكم على الآخرين، خصوصًا في بيئات متعددة الثقافات. وهي تبدأ من وعي داخلي لدى صانع المحتوى بأن الشهرة لا تبرر الإساءة، وأن كل ما يُنشر يجب أن يخضع لسؤال بسيط:
هل هذا المحتوى يبني أم يهدم؟
المعرفة قوة… واستخدامها مسؤولية
لا يكفي أن يكون المحتوى جذاباً، بل ينبغي أن يكون صحيحًا. فصانع المحتوى المثقف يراجع مصادره، ويتجنب ترويج الشائعات أو تبسيط المفاهيم بشكل مضلل.
نحو محتوى مسؤول: معادلة التأثير الإيجابي
صانع المحتوى اليوم ليس فقط ناقلًا للواقع، بل صانعًا له. ولذلك فإن دمج المتعة بالمسؤولية، والمعلومة بالتسلية، هو التحدي الحقيقي. يمكن تقديم محتوى ظريف ومرح، لكنه يحمل قيمة أو معلومة صحيحة أو حتى فكرة تثير التفكير النقدي.
التأثير أمانة
أن تكون صانع محتوى يعني أن تملك صوتاً يصل إلى آلاف أو ملايين البشر. وهذه ليست مجرد فرصة، بل أمانة معرفية وأخلاقية.
فالمحتوى الذي تنتجه اليوم قد يصنع وعي طفل، أو يغير رأياً، أو يرسخ قناعة. فاختر أن تكون جزءًا من البناء، لا الهدم.