السودان : تصعيد عسكري يهدد بانفجار جديد في قلب كردفان.. الأبيض تحت التهديد المباشر

كتبت: د. هيام الإبس
في تطور ميداني خطير يعمّق الأزمة السودانية، شهدت مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان يوم الأربعاء، قصفًا مدفعيًا مكثفًا شنّته قوات الدعم السريع، مستهدفًا أحياءً سكنية وسط المدينة. وبحسب شهود عيان، تسبّب الهجوم في حالة هلع بين المدنيين، فيما بدأت وحدات الجيش السوداني تحصين مواقعها تحسبًا لهجوم واسع النطاق، إذ تشير تقديرات ميدانية إلى أن الدعم السريع بات على بعد أقل من 40 كيلومترًا من أطراف المدينة.
Table of Contents
Toggleتمدّد عسكري يهدد بقطع الشرايين الحيوية
القصف يأتي في سياق هجوم منسّق تشنه قوات الدعم السريع منذ أسابيع على مناطق أم صميمة والسيال، في محاولة للسيطرة على الطرق الحيوية التي تربط الأبيض بمدينة أم درمان. نجاح هذا التقدم سيؤدي فعليًا إلى عزل الأبيض من جهتي الشمال والغرب، وبالتالي خنق القوات الحكومية في الداخل وإجبارها على أحد خيارين: القتال حتى النهاية أو الانسحاب.
في بيان لها، زعمت قوات الدعم السريع أنها “تتقدم في جميع المحاور” وأنها “باتت على مشارف الأبيض”، ودعت السكان إلى البقاء في منازلهم، وهو ما اعتُبر تمهيدًا لمعركة كبرى داخل المدينة.
الجيش السوداني يحاول قلب المعادلة
في المقابل، يسعى الجيش السوداني لاستعادة زمام المبادرة من خلال شنّ هجمات مضادة على محاور جبرة الشيخ وبارا، في محاولة لربط الأبيض بوحدات عسكرية في الخرطوم ووسط البلاد، وفتح طريق باتجاه الغرب لإنقاذ مدينة الفاشر من الحصار.
لكن مصادر عسكرية تشير إلى أن قوات الدعم السريع تستخدم حربًا نفسية وإعلامية للتأثير على معنويات الجيش، مؤكدين أن القوات المسلحة “لا تزال تحتفظ بمواقع استراتيجية ومتقدمة”.
نزوح جماعي وقلق إنساني متزايد
تسبّب التصعيد الأخير في موجة نزوح واسعة من القرى المحيطة بالأبيض، حيث غادر سكان أبو حراز والطينة باتجاه وسط المدينة، التي تعاني أصلًا من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وانهيار في البنى التحتية.
القلق الإنساني تصاعد في ظل الترقّب والخوف من تحول الأبيض إلى ساحة حرب مفتوحة، خاصة مع محدودية الوصول للمساعدات الدولية.
الطيران الحربي يدخل المعركة
في ردّ مباشر على تقدم الدعم السريع، نفّذ سلاح الجو السوداني سلسلة غارات عنيفة على تمركزات قوات الدعم غرب الأبيض، وامتدت الغارات إلى بارا، الخوي، أبو زبد، والنهود. وأسفرت الضربات الجوية، وفقًا لمصادر عسكرية، عن تدمير أكثر من 20 عربة قتالية وتكبيد الدعم السريع خسائر بشرية كبيرة.
لكن الغارات الجوية، رغم قوتها، لم توقف التقدم الميداني السريع لقوات الدعم السريع، ما يعكس ضغوطًا عسكرية كبيرة على قيادة الجيش.
انقسام داخلي وانتقادات حادة
الواقع الميداني الهش رافقه انقسام سياسي متصاعد، إذ وجّه مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، انتقادات لاذعة لقيادة الجيش، متهمًا إياها بـ”سوء إدارة المعارك”، لا سيما في ولايتي كردفان ودارفور. هذه التصريحات تكشف حجم التباين داخل الصفوف الرسمية، وتسلّط الضوء على التحديات التنظيمية التي تواجه الجيش في حربه الطويلة.
نفي وتحفظ من الحركات المسلحة
في السياق ذاته، أصدرت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بيانًا نفت فيه مسؤوليتها عن الهجوم على مدينة الفاشر، ووصفت الاتهامات بأنها “ادعاءات سياسية لا أساس لها”، مشيرة إلى أن قواتها ما زالت خارج المدينة بانتظار التوصل لاتفاق رسمي داخل تحالف “تأسيس”.
كارثة إنسانية وغياب دولي مؤثر
في ظل اشتداد المعارك، حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من تفاقم الوضع الإنساني، خاصة في معسكرات زمزم وأبو شوك في شمال دارفور، والتي تعاني حصارًا خانقًا منذ أكثر من عام. ارتفاع أسعار الغذاء إلى أربعة أضعاف، وغياب المساعدات الإنسانية، يضعان آلاف المدنيين أمام خطر المجاعة.
الإمارات ترد على الاتهامات .. والاتحاد الأفريقي يراقب
على الصعيد الإقليمي، ردت الإمارات العربية المتحدة بغضب على اتهامات من سلطات بورتسودان بدعم أطراف في النزاع، ووصفتها بـ”الباطلة والتي تفتقر لأي دليل”، مؤكدة أن تقارير الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية لم تثبت أي تورط إماراتي.
في المقابل، عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعًا طارئًا لمناقشة الأزمة السودانية، مرحبًا بتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء، لكنه أبقى على تعليق عضوية السودان، وشدّد على أهمية التوصل إلى حل سياسي شامل.
مشهد سياسي متصدّع وتحذيرات من التفكك
تحالف “تأسيس” انتقد بيان الاتحاد الأفريقي ووصفه بـ”المنحاز”، مؤكدًا أن الحكومة التي أعلنها في نيالا تعبّر عن “إرادة سودانية خالصة”، نافيًا أي نزعة انفصالية. كما حمّل سلطات بورتسودان مسؤولية حرمان إقليمي دارفور وكردفان من الخدمات الأساسية، وسط اتهامات متبادلة بتسييس العمل الإغاثي.
الأبيض على خط النار .. والمستقبل غامض
وسط هذا التعقيد العسكري والسياسي، تقف مدينة الأبيض الآن في مفترق طرق مصيري، بعد أن تحولت إلى نقطة اشتباك حاسمة بين الجيش والدعم السريع، في صراع يبدو أنه يتجه نحو مزيد من التصعيد والانقسام. ومع غياب تسوية واضحة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، يخشى مراقبون أن تتحوّل الأبيض إلى معركة فاصلة ترسم ملامح المرحلة المقبلة من الحرب السودانية المستعرة.