وصية مؤثرة للشهيد أنس الشريف: “لا تنسوا غزة .. لا تنسوا فلسطين”

بعد مقتل 6 صحفيين .. ارتفاع شهداء الصحافة في غزة منذ 7 أكتوبر إلى 238 صحفياً
بقلم – ممدوح الشنهوري
في جريمة جديدة بحق حرية الكلمة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، في بيان عسكري، استهداف وقتل ستة صحفيين في قطاع غزة، من بينهم مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، لترتفع حصيلة الصحفيين الذين استشهدوا منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي إلى 238 صحفياً.
إدانات حقوقية وصمت عربي
وقد أدانت واستنكرت منظمات حقوقية دولية عديدة هذه الجريمة، معتبرة أنها تأتي ضمن سياسة ممنهجة لطمس الحقيقة في غزة وإسكات الأصوات الناقلة للانتهاكات. وفي المقابل، يخيّم صمت عربي رسمي وشعبي يراه ناشطون بلا مبرر تجاه ما يتعرض له الصحفيون والمدنيون الفلسطينيون.
حرب التجويع والقتل الميداني
يأتي ذلك وسط استمرار حرب التجويع التي تفرضها إسرائيل على غزة، إلى جانب القصف اليومي وسقوط العشرات من المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات عبر معبر رفح البري أو من خلال الإنزال الجوي.
وصية الشهيد أنس الشريف: “لا تنسوا غزة”
قبل استشهاده، ترك الصحفي أنس الشريف رسالة مؤثرة، وصفها بأنها “وصيته الأخيرة”، جاء فيها:
“إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي… أوصيكم بفلسطين وأهلها وأطفالها… أوصيكم بأهلي، وبابنتي شام، وابني صلاح، ووالدتي وزوجتي الصابرة… لا تنسوا غزة، ولا تنسوني من صالح دعائكم”.
وصية الشهيد أنس تحمل رسالة مؤخرة
“ هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة.
إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي.
بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل” لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.
عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم.
أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام،
فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.
أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.
أُوصيكم بأهلي خيرًا،
أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم.
وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة.
أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي.
أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء.
وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.
أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل.
إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.
اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.
سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.
لا تنسوا غزة …
ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.
( أنس جمال الشريف )
إرث الشهداء… وصوت الحقيقة
رحيل الصحفيين الستة لا يختلف عن مصير عشرات من زملائهم الذين قضوا منذ عقود وهم ينقلون الحقيقة من قلب الميدان، منذ نكبة 1948 وحتى اليوم، لتبقى دماؤهم شاهداً على جرائم الاحتلال ووصمة عار على جبين الصمت الدولي.
ممدوح الشنهوري
كاتب صحفي وعضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان