أسير الإنتقام

بقلم / الفنان أمير وهيب
هذه ظاهرة سلبية خطيرة جدا في مجتمعات مصر كلها ، في الأرياف وسط الفلاحين الغلابة الجهلة وفي المدن وسط الأثرياء المتعلمين.
ظاهرة ” الانتقام ” ، غير المبرر والمبالغ فيه من رد الفعل العنيف الشرير مقابل الفعل البسيط.
هذا الانتقام هو في الأساس ظاهرة ” الثأر ” المتأصلة في مصر منذ قديم الأزل و يكون مقبول رد القتل بالقتل و لكن ما أقصده هو الانتقام المتهور ، الذي يصل الي حد القتل كرد لفعل قد يكون إهانة فقط و الذي يدل على حالة نفسية مرضية ، هذه الحالة ، صدق او لا تصدق تنتاب غالبية المصريين بكل فئاتهم الاجتماعية و التعليمية.
تجارب شخصية تكشف عمق المشكلة
* في سنوات الدراسة المدرسية كنت قد اكتسبت سلوك موروث في نطاق عائلتنا من جدي أبو أمي ، و أمي أيضا ، و هي تقليد الشخصيات بأسلوب كوميدي مضحك ، مع استغلال كل فرصة للتعليق إذا كان فيها اضحاك.
* في العام الدراسي ١٩٨٢/٨٣ ، في ثانية اعدادي ، في حصة اللغة الفرنسية ، كانت تقوم بتدريسنا مدرسة فرنسية ، من فرنسا ، و كنا في حصة ” الاملاء ” و قالت كلمة هي اسم اغنية شهيرة ل ” داليدا ” ، فقمت بترديد هذه الكلمة بصوت عالي و بنفس طريقة غناء داليدا ، و ضحك الفصل كله و بصوت عالي ، فقامت المدرسة و اسمها ” مانيان ” ، بترك الفصل مسرعة و بمنتهى الغضب متوجهة الي رئيس القسم. بعدها دخل المدرس المدعو ” فريد حنا ” يحاول أن يعرف من هو الفاعل ، و الحقيقة كان كل زملاء الفصل في منتهى التضامن و لم يبح او يشي أحد منهم ، بعدها قال مايصحش كده ، فات اكتر من ربع ساعة دلوقتي و عايزين نكمل اليوم الدراسي ، يقوم يقول هو مين و مش هنعمله حاجة. فقمت ، اصطحبني بمنتهى الهدوء الي مكتب رئيس القسم ، قال لي ايه اللي حصل ، حكيت له ، قام ضربني “ألمين”على وجهي و استمريت طول اليوم على باب مكتبه.
* في العام الدراسي ١٩٨٥/٨٦ ، في اولى ثانوي ، في حصة الكيمياء ، المدرس ” هاني شارل ” ، دخل كتب على التابلوه ” إثارة الذرة ” ، باعتباره درس اليوم ، و بعدها سألنا : حد يعرف يعني ايه إثارة الذرة ؟
فرفعت ايدي ، قال تفضل ، قلت له : يعني نهيجها ! فضحك الفصل كله و بصوت عالي. بعدها قال لي اطلع برة. و اخر اليوم الدراسي وصلني خطاب بالحضور يوم الجمعة المدرسة ، يوم الإجازة ، كنوع من العقاب المتعارف عليه في مدرستنا.
و في امتحان اخر العام ، انتقم هاني شارل بأن تعمد عدم نجاحي في مادة الكيمياء و كان عندي ” ملحق ” كيمياء في اولى ثانوي ، بالمخالفة للقانون.
* في العام الدراسي ، ١٩٨٨/٨٩ ، أولى فنون جميلة ، مادة اللغة الفرنسية ، كان عدد الطلبة قليل جدا ، يتم تجميع الطلبة من الخمس اقسام ، و يكون ميعاد الحصة متأخر حتى يتسنى تجميع كل الطلبة و كان اسم المدرسة ” أميرة راضي ” ، فاقترحت عليها أن تقوم بتدريس كل قسم منفصل في توقيته ، بدل هذا الظلم الواقع على قسم دون آخر ، بمعنى ، كان طلبة قسم ديكور عليهم انتظار طلبة قسم جرافيك للانتهاء من محاضراتهم ساعة و انتظار طلبة قسم نحت ساعتين أيضا و هكذا. فقالت لي أنا مش هقدر اجيلكم إلا يوم واحد في الاسبوع ، قلت لها ، لا انا كمان مقدرش انتظر اخد حصة اللغة الفرنسية الساعة ثلاثة العصر ، قالت لي خلاص ماتحضرش. و فعلا ما حضرتش و تعمدت عدم نجاحي في مادة اللغة الفرنسية بالمخالفة للقانون.
مع الأخذ في الاعتبار أن مستوى اللغة الفرنسية في كلية الفنون الجميلة مقارنة بمستوى اللغة الفرنسية في مدرسة الفرير ، تعتبر مستوى بسيط جدا لا يستدعي السقوط.
* رد فعل تأديب ” مانيان ” المدرسة الفرنسية كان منطقي و تربوي.
* رد فعل ” هاني شارل ” كان انتقام تعسفي شرير مبالغ فيه جدا.
* و رد فعل ” أميرة راضي ” كان انتقام تعسفي شرير مبالغ فيه جدا.
الانتقام في المجتمع… أمثلة أكثر خطورة
* لاحظت هذا النوع من الانتقام الشرير في اخبار الحوادث كثيرا الفترة الماضية ، سيدة تقتل طفلة انتقاما من امها لسبب تافهه ، طليق الزوجة يقتل ابنه انتقاما من زوجته ، و قصص كثيرة من هذا النوع مضمونها ” الانتقام “.
* مطلوب تدخل جهات عديدة ، اجتماعية و تربوية ، لإصلاح هذا الخلل النفسي في نفوس المصريين بشكل عام.
* لأن هناك نوع من عينة صحفي في جريدة الأهرام يتعمد كتابة أسمي في المقالات بشكل خاطئ ، إنتقاما مني لأسباب.
* المشكلة عميقة و متشعبة ، و لها خلل نفسي و الأخطر أن الفاعل يبرر هذا الفعل.
* إنما الأخطر هو كيفية الوصول لفئة الغلابة الجهلة في الأرياف ، خاصة أن الانتقام ممكن أن يكون بالقتل بسبب أن حسنين استهزأ ب ” البقرة “التي يمتلكها محمدين.!!!!!!!!!
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر