احدث الاخبارالسودان

البرهان يُجري أول تعديل في هيئة أركان الجيش منذ اندلاع الحرب مع الدعم السريع في السودان

كتبت /د.هيام الإبس

 

في خطوة أثارت انقساماً واسعاً، أصدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قرارات بإبعاد ضباط بارزين من التيار الإسلامي، بعد زيارة سرية إلى جنيف، ما فتح الباب لتساؤلات حول دوافع الخطوة بين الإصلاح والمناورة السياسية

قرر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، الإثنين، إجراء تغييرات في رئاسة أركان القوات المسلحة السودانية، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع النزاع العسكري القائم مع قوات الدعم السريع بقيادةمحمد حمدان دقلو حميدتى.

وتأتي التغييرات في رئاسة أركان الجيش بعد يوم واحد من قرارات إعفاء عدد من كبار ضباط الجيش من مناصبهم، وإحالتهم للتقاعد بالمعاش، وترقية آخرين للرتبة الأعلى.

 

قرار التغييرات

 

وقال المتحدث باسم الجيش السوداني نبيل عبدالله، في بيان، إن “رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان أصدر قرارات تم بموجبها تشكيل رئاسة هيئة أركان جديدة”.

وأبقى القرار على الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين الحسن رئيساً لهيئة الأركان لدورة جديدة، حيث ظل يحتفظ بهذا المنصب منذ العام 2019.

وعيّن البرهان الفريق الركن مجدي إبراهيم عثمان خليل نائبًا لرئيس هيئة الأركان للإمداد، والفريق خالد عابدين محمد أحمد الشامي نائبًا لرئيس هيئة الأركان للتدريب.

وشملت القرارات تعيين الفريق الركن عبد الخير عبدالله ناصر درجام نائبًا لرئيس هيئة الأركان للإدارة، والفريق الركن محمد علي أحمد صبير رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، والفريق الركن مالك الطيب خوجلي النيل نائبًا لرئيس هيئة الأركان للعمليات.

وفي سياق آخر، عيّن البرهان اللواء معتصم عباس التوم أحمد مفتشاً عامًا للقوات المسلحة بعد ترقيته لرتبة الفريق.

وظل منصب المفتش العام للجيش السوداني شاغرًا منذ أسر المسؤول السابق الفريق مبارك كوتي كمتور من قبل الدعم السريع في اليوم الأول للحرب.

كما عيّن البرهان الفريق طيار علي عجبنا حمودة محمد قائدًا للقوات الجوية، والفريق طبيب زكريا إبراهيم محمد أحمد مديرًا للإدارة العامة للخدمات الطبية، واللواء مهندس عمر سر الختم حسن نصر قائدًا لقوات الدفاع الجوي.

وأحال البرهان في قراراته الفريق الركن عباس حسن عباس الداروتي للتقاعد بالمعاش بعد ترقيته لرتبة الفريق أول، حيث كان يتولى منصب نائب رئيس أركان الجيش للإدارة، وأُحيل أيضاً للتقاعد نائب رئيس الأركان للتدريب عبدالمحمود حماد حسين عجمي، الذي رُقي كذلك لرتبة الفريق أول.

 

وشملت قرارات الإعفاء قائد القوات الجوية الفريق طيار ركن الطاهر محمد العوض الأمين، الذي رُقي لرتبة الفريق أول وأُحيل للتقاعد.

 

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على الفريق الطاهر العوض، متهمًا إياه بتحمل المسؤولية عن ما وصفه بـ”القصف الجوي العشوائي للمناطق السكنية المكتظة بالسكان منذ بداية النزاع”.

 

ردود الفعل الداخلية وتداعيات القرار

داخل الأجهزة الأمنية السودانية، أحدث القرار حالة من الجدل والانقسام، حيث اعتبر البعض أن الخطوة جاءت لتقليل النفوذ القطري و”تطهير” الجيش من عناصر إخوانية وطائفية تخترق النظام منذ سنوات، فيما اعتبر آخرون أن الحركة الإسلامية ستسعى حثيثاً للرد على البرهان وتحريك سيناريو بديل بعد انتهاء الحرب الحالية.

 

انقسام في ردود الأفعال

 

انقسمت ردود الأفعال والمواقف بين من اعتبر الخطوة مؤشراٌ على بداية تحول سياسي مدفوع بضغوط خارجية خاصة بعد اللقاءات التي جرت في سويسرا، وبين من رآها مجرد محاولة لإعادة تموضع وإعادة إنتاج الأزمة في ثوب جديد.

بعض الأصوات ربطت القرارات مباشرة بالمسار التفاوضي الذي شهدته مدينة سويسرا مؤخراً، معتبرة أن الخطوة تأتي استجابة لضغوط المجتمع الدولي الراغب في رؤية إصلاحات داخل المؤسسة العسكرية كمدخل لإيقاف الحرب.

وفي هذا الصدد أشار مختار محمد، إلى أن زيارة البرهان إلى سويسرا بدأت تؤتي أكلها، وأن إبعاد بعض الضباط الإسلاميين يمثل بداية لسحب البساط تدريجياً من تحت أقدام العناصر الأكثر تشدداً داخل الجيش.

 

أما جدو جاني ذهب، في الاتجاه ذاته حيث رأى أن التغييرات الأخيرة ليست مجرد إجراءات إدارية، بل رسائل سياسية واضحة تمهيداً لتسوية دولية قائلاً إن الولايات المتحدة اختارت بعناية هذا المسار وطلبت التمهيد له عبر هذه القرارات.

 

بينما كتب محمد السيسي، أن ما يحدث، في إشارة لقرارت “البرهان” الأخيرة قد يكون بالفعل تنفيذاً لتوصيات اجتماع سويسرا، لكنه تساءل بحذر قائلاً هل هو تغيير حقيقي أم مجرد إعادة تموضع جديد؟

 

وعلى الجانب الآخر برزت مواقف تدعو إلى توسيع نطاق الإصلاح وعدم الاكتفاء بخطوات جزئية، فكتب بدير البديري مشدداً على أن الإحالات كان يجب أن تشمل أسماء بارزة في قيادة الجيش مثل البرهان نفسه وشركائه من أعضاء المجلس السيادي معتبراً أنهم أولى بالإحالة للمعاش باعتبارهم متشبثين بمواقعهم منذ سنوات.

ورأت أصوات أخرى أن هذه التغييرات قد تفتح الباب أمام استعادة روح ثورة ديسمبر، فكتب أبو مدار الجعلي معتبراً أن الشعب جاهز لإحياء شرارة الثورة ضد النظام المستبد رابطاً القرارات بمطلب أوسع لتغيير جذري يتجاوز حدود المؤسسة العسكرية.

 

وفي المقابل عبر قطاع واسع من القوى المناهضة للحرب، عن تشككه العميق في نوايا البرهان، واعتبروا الخطوة مجرد محاولة لتجميل صورة الجيش دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة فرأى محمد الشايقي أن ما جرى هو بتر لتحالف محدد مع متطرفين إسلاميين، لكنه لا يمثل تحولاً إستراتيجياً مشيراً إلى استمرار ارتباط “البرهان” بشخصيات من ذات التيار عبر قنوات أخرى.

 

مراكز قوى إسلامية

 

بينما اعتبر عزام عبد الله أن “البرهان” بدأ بالفعل التخلص من ضباط مقربين من ياسر العطا ومراكز القوى الإسلامية داخل الجيش، لكنه ربط الخطوة بمحاولة السيطرة الكاملة على قرار الجيش أكثر من ارتباطها بمسار سلام شامل.

أما أسامة جلال، فكان أكثر حدة في انتقاده، إذ أكد أن الجيش يظل تحت سيطرة الحركة الإسلامية كماً ونوعاً، وأن أي إحالة لا تعدو أن تكون استبدالاً لضابط بآخر أكثر ولاء مضيفاً أن “البرهان” نفسه جاء إلى القيادة بترتيبات الحركة الإسلامية، ولا يستطيع الانفكاك عنها في الوقت الراهن.

كما أن هناك صفحات ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل «سودانيشن» و « نيوسودان» ذهبت أبعد من ذلك حيث وصفت ما يجري بأنه مسرحية سخيفة ومحاولة يائسة لتغيير «جلد الحية» على حد تعبيرها بهدف التضليل وإعادة إنتاج النظام بوجوه جديدة.

هذه الصفحات شددت على أن أي محاولة لتجميل صورة “البرهان” أو الحركة الإسلامية لن تنطلي على الشارع، وأن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم عبر المؤسسة العسكرية الحالية.

واختصر الناشط قذافي النيل هذا الاتجاه بقوله، حتى لو أحرق جيشه بأكمله لن نصدقه؛ لأن الحقيقة واحدة “البرهان” مجرد دمية في أيدي الإسلاميين.

وأظهرت ردود الفعل هذه حالة انقسام واضحة في أوساط القوى المناهضة للحرب فريق يتعامل مع القرارات كتطور إيجابي وإن كان محدوداً على طريق الإصلاح ووقف الحرب وآخر يراها مجرد إعادة تموضع ومسرحية سياسية هدفها امتصاص الضغوط الدولية وكسب الوقت من أجل عودة الإسلاميين للحكم.

 

غضب في الأوساط الإسلامية

 

أثارت قرارات قائد الجيش السوداني الأخيرة بإحالة عدد من الضباط المحسوبين على التيار الإسلامي إلى التقاعد، موجة واسعة من الغضب داخل الأوساط الإسلامية، حيث ركزت ردود الأفعال على إبعاد قائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح، الذي كان يُنظر إليه كأحد أبرز الشخصيات العسكرية التي يعوّل عليها الإسلاميون لتولي موقع بديل لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

 

وفي هذا السياق، كتبت القيادية الإسلامية سناء حمد العوض، على منصة فيسبوك: “لقد نقش الفريق نصر الدين عبد الفتاح اسمه ورسمه بأحرفٍ من نور في تاريخ السودان. فهو من حمى الخرطوم من السقوط الكامل في يد الغزاة المجرمين، وهو من صمد في الحصار لشهورٍ طوال، وهو وقواته من أرهقوا الغزاة والخونة الذين تكسرت نصالهم عند أسوار المدرعات”.

كما دوّن عدد من الإسلاميين عبارات غاضبة، اتهموا فيها قيادة الجيش بإفراغ المؤسسة العسكرية من الضباط الذين يحملون خلفية عقائدية، وهو ما رأوا أنه يصب في مصلحة “أجندات خارجية”.

 

وفي السياق أعادت قناة (طيبة) المحسوبة على الحركة الإسلامية  نشر فيديو للقيادي الإسلامي أنس عمر، الذي يهدّد ويقول فيه “ما في ارجل من الحركة الاسلامية”، كتهديد لكل من يحاول إبعاد الإسلاميين عن المشهد السياسي في البلاد.

القيادية الإسلامية سناء حمد العوض هي من أبرز الشخصيات التي هاجمت هذه الخطوة. وتتميز العوض بحضور إعلامي قوي – فقد أكدت سابقًا على ضرورة إشراك الإسلاميين في العملية السياسية دون استبعاد، ووصفت وجود “فيتو” ضدهم بأنه “خارجي”

 

كما كشفت عن دورها في تحقيقات داخلية مهمّة لصالح الحركة الإسلامية، تتعلق بانحياز قادة الجيش عقب ثورة ديسمبر 2018، إذ أجرت لقاءات موثقة مع مسؤولين مثل الفريق أول عوض بن عوف، وكشفت عن تفاصيل حساسة في المشهد العسكري السوداني حينها.

وجاء التركيز إعلاميًا على عبد الفتاح لأنه يُنظر له من قبل بعض الإسلاميين كرمز عسكري تقليدي يمكنه أن يكون جزءاً من قيادة أكثر توازنًا بين المدني والعسكري، وأن يمثل تقاطعًا بين المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامي.

 

قرار بشأن القوات المساندة

 

وكان البرهان قد أصدر، الأحد، قرارا يلزم جميع القوات المساندة العاملة مع القوات المسلحة وتحمل السلاح، لأحكام قانون القوات المسلحة.

ونص القرار على أن تكون كل قوات الحركات المتحالفة مع الجيش تحت إمرة قادة القوات المسلحة بمختلف المناطق، كما أحال البرهان عدداً من كبار قادة الجيش إلى التقاعد، بينهم اثنان برتبة فريق، وأربعة برتبة لواء.

 

ولم يصدر أي بيان حتى الآن من أيٍّ من الحركات المتحالفة مع الجيش حول موقفها من القرار، الذي تزامن مع حالة من التوتر بين قيادة الجيش وحركتي جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، على خلفية اتهامات حول مسؤولية التراجع الميداني في كردفان والحصص الوزارية، إضافة إلى قرار إخلاء العاصمة الخرطوم من جميع المجموعات المسلحة.

 

مستقبل المشهد العسكري والسياسي السوداني

من المرجح بحسب المراقبين أن يؤدي هذا الإجراء إلى إعادة ترتيب العلاقة بين الجيش والكتل الإسلامية في السودان، وسط استمرار الحرب مع قوات الدعم السريع ومفاوضات سلام دولية مع الولايات المتحدة ودول إقليمية أخرى، أما الحركة الإسلامية السودانية، فإنها تستعد للمرحلة المقبلة وتتحرك بحذر انتظارا لتطورات الوضع الميداني والسياسي في السودان.

 

وتقاتل مع الجيش حركات موقعة على اتفاق جوبا، من بينها حركتا جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، إضافة إلى كتيبة البراء – الجناح المسلح لتنظيم الإخوان المسلمين، وقوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل، ومجموعات تتبع لمالك عقار نائب البرهان في مجلس السيادة.

ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر تشهد العلاقة بين الجيش والحركات المتحالفة معه توتراً متصاعدًا، تزايد بشكل أكبر بعد الخلافات التي نشبت حول وضعية حركتي جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي في التشكيل الحكومي، قبل أن تتم الاستجابة لمطالب الحركتين.

وتطور الأمر أكثر بعد تهديد منصات تابعة لإحدى الحركتين بفك الارتباط مع الجيش والعودة إلى الحرب.

وفي أعقاب تراجع الجيش في إقليمي كردفان ودارفور في نهاية أبريل الماضي، توترت الأوضاع بين حركتي مناوي وجبريل من جهة، ومجموعة الجيش في بورتسودان من الجهة الأخرى، على خلفية تقارير اتهمت قوات الحركتين بكشف ظهر الجيش.

 

لقاء مع مسعود بولس

يوم الاثنين الماضي، بحث قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مع مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية مسعد بولس في سويسرا، مقترح واشنطن حول السلام في السودان.

والاجتماع هو الأول من نوعه، والأعلى مستوى على هذا الصعيد منذ أشهر، ويأتي في أعقاب فشل وساطات سابقة، أمريكية وسعودية، لوقف إطلاق النار.

وتداولت وسائل إعلام سودانية أنباء رشحت عن الاجتماع بين الرجلين، منها تأكيد بولس على رغبة واشنطن في بناء علاقات مباشرة مع السودان شرط تحقيق تحول مدني ديمقراطي يتوافق مع مطالب ثورة ديسمبر 2018 وإعادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

 

وتقاتل مجموعات مُسلحة إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل2023.

راح ضحية الصراع عشرات الآلاف من الأشخاص، وملايين اللاجئين والنازحين.

خلال الأسبوع الأول من أغسطس الحالي، توفي 63 شخصاً على الأقل بسبب سوء التغذية في مدينة الفاشر بينما أشارت تقارير إلى أن بعض العائلات باتت تقتات على علف الحيوانات أو بقايا الطعام.

نهاية شهر يوليو الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع وعدد من المتحالفين معها من تحالف السودان التأسيسي عن حكومة جديدة رديفة، تتألف من مجلس رئاسي مكون من 15 عضواً برئاسة قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، ومجلس وزراء يترأسه عضو مجلس السيادة سابقاً، محمد حسن التعايشي، والذي كُلّف بمهام تشكيل حكومته التنفيذية.

 

وقال مبعوث الأمين للأمم المتحدة في السودان، رمطان لعمامرة، الأحد، إن “السودان لا يستطيع تحمُّل يوم آخر من الحرب”، مؤكداً ضرورة وقف إطلاق النار.

وأشار لعمامرة، في بيان، إلى أن عدد قتلى الصراع غير معروف بصورة دقيقة، بينما قال إن “عدد الضحايا مذهل ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى