سلفا كير يقيل وزير المالية وسط أزمة اقتصادية خانقة
الأمم المتحدة تحذر: أزمة لاجئين كارثية تلوح في جنوب السودان

كتبت /د.هيام الإبس
في خطوة تعكس استمرار حالة عدم الاستقرار داخل الفريق الاقتصادي لحكومة جنوب السودان، أعلن الرئيس سلفا كير إقالة وزير المالية مريال دونقرين أتير، بعد عام واحد فقط من تعيينه، وذلك حسب ما بثته الإذاعة الرسمية مساء الخميس.
وأوضحت الإذاعة أن أثيان دينق أثيان، الذي تولى وزارة المالية سابقا بين عامي 2020 و2021، سيعود لتولي المنصب خلفا للوزير المقال، كما شمل القرار إقالة الوزير المسؤول عن ملف الاستثمار، دون أن تكشف أسباب التغيير أو اسم الوزير المقال.
تعد هذه الإقالة الأحدث في سلسلة تغييرات متكررة طالت وزارة المالية، حيث يعتبر مريال دونقرين أتير الوزير السابع الذي يتولى هذه الحقيبة منذ عام 2020، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه القيادة الاقتصادية في البلاد.
ورغم غياب التوضيح الرسمي بشأن دوافع الإقالة، يرى مراقبون أن التغييرات المتكررة قد تشير إلى تخبط في إدارة السياسة المالية، وتزيد من مخاوف المستثمرين والجهات الدولية حول استقرار الاقتصاد الوطني.
أزمات اقتصادية مستعصية
تواجه حكومة جنوب السودان أزمات اقتصادية هيكلية، أبرزها شح السيولة النقدية، انهيار سعر صرف العملة المحلية، واعتماد شبه كامل على عائدات النفط، وصعوبات في سداد رواتب الموظفين الحكوميين.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، يتوقع أن ينكمش اقتصاد البلاد بنسبة 4.3% خلال عام 2025، مع بلوغ معدل التضخم 65.7%، وهي أرقام تضع ضغوطاً غير مسبوقة على أداء الحكومة المالية.
تداعيات الحرب في السودان
زاد الوضع تعقيداً بسبب الحرب المستمرة في السودان المجاور، التي أثرت بشدة على عمليات تصدير النفط، وهو الرافد الأساسي للدخل القومي في جنوب السودان. كما أدت الحرب إلى اضطرابات حدودية وداخلية وتدفق كبير للاجئين، مما شكل عبئاً إضافياً على الخدمات العامة والبنية التحتية الهشة أصلاً.
قلق سياسي متصاعد
القرار يأتي في وقت يشهد فيه جنوب السودان توتراً سياسياً متزايداً بعد أن تم في مارس الماضي فرض الإقامة الجبرية على النائب الأول للرئيس، ريك مشار، وسط اتهامات بالتحريض على التمرد وتعطيل العملية الانتخابية المرتقبة.
وقال وزير الإعلام مايكل مكوي حينها إن مشار أجرى اتصالات “مريبة” بأنصاره بهدف زعزعة الاستقرار، وهو ما نفاه حزب مشار، مؤكداً أن الاتهامات “سياسية ولا تستند إلى أي أدلة ملموسة”.
رغم المخاوف، يرى بعض المحللين أن عودة أثيان دينق أثيان قد تمثل فرصة لإعادة الثقة في وزارة المالية، شريطة أن تترافق مع إصلاحات اقتصادية حقيقية، وخطة شفافة للتعامل مع العجز المالي، سوء إدارة الموارد، غياب الشفافية في عقود النفط والإنفاق الحكومي.
ومع اقتراب الانتخابات المؤجلة مرارًا، فإن قدرة الحكومة على إعادة الاستقرار الاقتصادي واحتواء التوترات السياسية قد تحدد مصير المرحلة الانتقالية ومستقبل البلاد ككل.
أزمة لاجئين كارثية تلوح في جنوب السودان
أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) عن قلق بالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، في ظل التدفق المستمر للاجئين السودانيين والعائدين المحليين، مقابل عجز كبير في التمويل يهدد بتوقف الخدمات الأساسية.
أزمة تضغط على كل الجبهات
وقالت ماري-هيلين فيرني، ممثلة المفوضية في جنوب السودان، خلال مقابلة إذاعية، إن المفوضية تواجه صعوبات كبيرة في تلبية احتياجات أكثر من 550 ألف لاجئ من السودان، مؤكدة أن نقص التمويل أجبر الوكالة على تقليص الحصص الغذائية بشكل مؤثر.
وأضافت فيرني:“ما زالت خدمات الصحة والتعليم متوفرة، لكن معاييرها تراجعت كثيراً عما كانت عليه في السابق، الوضع هش للغاية، ونخشى أن نفقد القدرة على الاستجابة إذا لم يتم سد فجوة التمويل بشكل عاجل.”
فجوة تمويلية تهدد الاستجابة الإنسانية
وأشارت فيرني إلى أن التحدي لا يقتصر على قلة التمويل، بل يشمل أيضاً فقدان الموارد المرنة، التي كانت تمكن المفوضية من التحرك السريع والتكيف مع الأزمات المتغيرة.
ومع ذلك، أبدت تفاؤلاً حذراً إزاء بوادر تعاون من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، اللذين أظهرا استعدادًا متزايدا لدعم برامج النزوح واللاجئين في البلاد.
تدفق غير مسبوق منذ حرب السودان
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، استقبل جنوب السودان أكثر من مليون شخص بين لاجئين سودانيين وعائدين من جنوب السودان نفسه، مما فاقم الضغوط على دولة تعاني أصلاً من هشاشة سياسية واقتصادية، وصراعات داخلية، وصدمات مناخية مثل الفيضانات المتكررة وموجات الجفاف والحر القاسي.
خطر مجاعة يلوح في الأفق
وبحسب أحدث تقرير تصنيف متكامل للأمن الغذائي (IPC)، فإن أكثر من 50% من سكان جنوب السودان يعانون من انعدام غذائي حاد، وسط مؤشرات متزايدة على خطر المجاعة في بعض المناطق، خصوصاً مع الضغط الإضافي الناتج عن موجات النزوح الجديدة.
نداء إنساني عاجل
حذرت الأمم المتحدة من أن تجاهل الأزمة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، مشددة على ضرورة تدخل إنساني عاجل ومتعدد القطاعات، يشمل الغذاء، المياه، الصحة، التعليم، والحماية، لتجنب المزيد من الانهيار الإنساني وفقدان الأرواح.
وقال أحد مسؤولي الإغاثة الأممية في جوبا:”الوضع يتجاوز الآن قدراتنا على احتوائه بالموارد الحالية، نحتاج إلى تضامن دولي حقيقي وإجراءات سريعة.”