بعد معارك شرسة .. الجيش السودانى يستعيد “كازقيل” و”الرياش” بكردفان ويقترب من “أم سيالة”

كتبت/د.هيام الإبس
أعلنت القيادة العامة للجيش السوداني، مساء الأحد، استعادة منطقتَي “كازقيل” و”الرياش” في ولاية جنوب كردفان، عقب معارك عنيفة ضد قوات الدعم السريع، فيما واصلت قوات الجيش توجّهها نحو قرية “أم سيالة” الاستراتيجية شرق الولاية.
معارك على محاور عدة في كردفان والمناقل
أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش، العقيد طارق بن زيد، إن القوات الحكومية خاضت اشتباكات عنيفة مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتى”، على محاور عدة في كردفان وولاية النيل الأبيض.
وأوضح العقيد بن زيد أن المعارك اشتعلت في محوري:
رهيد النوبة شرق منطقة بارا بولاية النيل الأبيض، أم صميمة غرب مدينة الأبيض، كازقيل جنوب مدينة الأبيض، مشيراً إلى أنّ “قوات الدعم السريع تكبدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، كما فقدت سيطرتها على مواقع عدة كانت تحت سيطرتها منذ أشهر”.
وأضاف بن زيد، في مؤتمر صحفي بالخرطوم، أن “الجيش استعان بدعم واسع من القوات الجوية والتمهيد المدفعي قبل توجهه لاستعادة المنطقة، وقد تم تأمين خط الإمداد من “كورتيلا” وصولاً إلى الحدود الجنوبية للولاية”.
فرح الأهالي باستعادة “كازقيل” و”الرياش”
وفي حين أكّد العقيد بن زيد استعادة “كازقيل” و”الرياش” بالكامل، ذكر شهود محليين إن معسكرات تدريب الدعم السريع في تلك المناطق كانت تمثّل نقطة انطلاق لغارات ومداهمات ضد القرى المجاورة.
وقال شيخ من أبناء المنطقة إنّ “المواطنين عانوا كثيراً منذ سيطرة الدعم السريع على المنطقة، فقد عانوا من الابتزاز وسرقة المواشي، وفرض الرسوم على الحواجز”. وأضاف: “اليوم شعرنا بطمأنينة كبيرة بعد دخول الجيش، وبدأ الأهالى يعودون إلى مزارعهم”.
تقدم نحو “أم سيالة”
وأشار بيان القيادة العامة إلى أن وحدات الجيش تواصل تقدمها نحو “أم سيالة” شرق مدينة الأبيض، وهي تمثل نقطة التقاء طرق رئيسية تربط بين جنوب كردفان والنيل الأبيض.
واعتبر البيان أنّ السيطرة على “أم سيالة” ستمكّن الجيش من تأمين طرق الإمداد نحو منطقتَي “بارا” و”الناصرية”، بالإضافة إلى إجهاض أي محاولات لقطع الطرق من قبل قوات الدعم السريع.
ويبدو أن الجيش يخصّص جهدين رئيسيين: الأول لتأمين طريق “الأبيض–القضارف” الذي يمر عبر “كازقيل” و”ام سليم” و”أم ريشة”، والثاني نحو “أم سيالة” التي تربط مدينة الأبيض بمحاور القتال في جنوب كردفان.
الدعم السريع يردّ بعمليات استنزاف
من جهتها، قالت مصادر من قوات الدعم السريع إنّ معارك استعادة جنوب كردفان استنزفت قدراتها الهجومية، لكنّها شرعت في شن هجمات مضادة على أطراف مدينة الأبيض ومواقع إضافية بولاية النيل الأبيض. وقال القيادي الميداني في الدعم السريع، العميد جمال الوراقي، في تسجيل مصور إنّ “الاشتباكات ما زالت دائرة، ونستهدف تجمعات الجيش في منطقتَي “بارا” و”الأبيض الغربية”، ونؤكد أننا سنواصل القتال حتى نحقق أهدافنا”.
كما نشر حساب إعلامى مؤيد للدعم السريع صوراً تظهر أضراراً في آليات عسكرية حكومية، وقال إنّ قواته “أصابت دبابة وعربات مدرعة خلال مواجهات بمناطق أم صميمة وكردبة”.
انعكاس المعارك على المدنيين
تسببت المعارك المتواصلة بين الجيش وقوات الدعم السريع في نزوح عشرات العائلات من القرى المحيطة بجنوب كردفان والنيل الأبيض. ونقلت منظمات إنسانية أنّ أكثر من 4,000 أسرة نزحوا للاختباء في مدارس ومراكز حكومية بالمدن، فيما ناشد سكان بحالة إنسانية صعبة لتوفير الغذاء والدواء.
وقال مدير إحدى الجمعيات الخيرية في الأبيض، أحمد السويد: “نحتاج إلى توفير معسكر مؤقت بذخائر طبية ومواد إغاثية عاجلة، فالأوضاع في الميدان لا تحتمل. الأطفال والنساء ينامون في العراء، والمياه ملوثة، فضلاً عن قلة الأدوية”.
دعم جوي ومدفعي من الجيش
فى السياق، أفادت وكالة السودان للأنباء بأنّ القوات الجوية نفذت غارات مكثفة على مواقع دعم سريع في محيط “كازقيل” و”جنجة”، مستهدفة دروعاً وآليات ثقيلة، ما ساهم في تمكين قوات الجيش من الاقتحام، كما شاركت المدفعية الثقيلة بقصف مواقع الدعم السريع في عمق الوادي جنوب المدينة، وفق ما أظهرته لقطات مصورة بثها التلفزيون الحكومي.
وقال مسؤول في قوات المهندسين بالجيش إنّه “تم ضخ تعزيزات لوجستية وذخائر عن طريق أم قور الشمالية، بالتعاون مع القوات البرية والجوية، لتخفيف الضغط على قواتنا التي شارفت على استعادة كامل منطقة كردفان”.
مساعي التهدئة واتفاقات وقف إطلاق النار
في ظل الاشتباكات الدائرة، تستمر وساطات محلية وأفريقية لبلورة اتفاق وقف إطلاق النار.
وأعلنت الأمم المتحدة ابتداء اليوم، عن زيارة المبعوث الإفريقي للخرطوم للقاء قادة الجيش والدعم السريع بغية التوصل لاتفاق حول حماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
وقال المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة لدى السودان، منير عجلان: “ندعو الفصيلين إلى إنجاز اتفاق للتهدئة في أقرب وقت، وتسهيل إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة، والاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدة أراضيه”.
الصراع وأسبابه
تفاقمت الأزمة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ إبريل الماضي، عندما تحوّلت خلافات على دمج الأخير ضمن هيكل الجيش النظامي إلى مواجهات مفتوحة، وتحظى قوات الدعم السريع بدعم قيادات سياسية وعسكرية نافذة، فيما يؤكد الجيش تمسكه بحصرية استخدام القوة ورفضه تشكيل ميليشيات خارج إطار المؤسسات الرسمية.
وتقع ولايات جنوب كردفان والنيل الأبيض ضمن قلب الصراع، نظراً لموقعهما الحيوي قرب توجو تشاد وجنوب السودان، ولما تحويه من خطوط نقل نفط وغاز ومعابر تجارية.
احتمال توسع رقعة الاشتباكات
مع التقدم العسكري الحالي للجيش نحو “أم سيالة”، يثار القلق من إمكانية امتداد الاشتباكات إلى مناطق أخرى من كردفان الغرب وأعالي النيل، فضلاً عن احتمال تدخل القبائل العربية والافريقية في النزاع، ما قد يحوله إلى صراع عرقي ممتد.
وحذّر رئيس لجنة المصالحات القبلية، الشيخ علىِ عبد الله، في بيان نشره أمس، من “انفلات القبضات وتدخل العشائر للتعويض عن الخسائر، ما يهدد بانهيار السلم الأهلي في كل البلاد”.
مستقبل المعارك ودور الوساطات
فى الأثناء، يرى مراقبون أن ما يحدث في جنوب كردفان والنيل الأبيض قد يشكّل مقدّمة لحسم عسكري سريع، في حال نجح الجيش في قطع خطوط إمداد الدعم السريع من معاقله في دارفور والمنطقة الغربية، لكنهم يحذرون من استمرار القتال لعشرات الأيام مع احتمالية سقوط مزيد من الضحايا، ما يفاقم الأزمة الإنسانية.
في المقابل، تؤكد البعثات الأممية والإفريقية أن الحل السياسي يبقى الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة وتحقيق انتقال آمن للسلطة، داعيةً إلى دعم الأمم المتحدة والأفارقة لمفاوضات السلام بين الطرفين.