خريطة الطريق الأممية في ليبيا بين تعثر الداخل وضغط الخارج

كتبت : د.هيام الإبس
تتصاعد النقاشات في الأوساط السياسية الليبية والدولية حول مقترح البعثة الأممية الأخير لرسم خريطة طريق جديدة تقود إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وبينما تؤكد الأمم المتحدة أن خطتها تضع إطارًا زمنياً واضحًا لإنجاز الاستحقاقات، تتعدد المواقف المحلية بين الترحيب الحذر والتشكيك العميق في جدواها، في ظل استمرار الانقسام السياسي والأمني.
خارطة طريق جديدة
وتشهد الساحة الليبية مرحلة دقيقة من الجهود الأممية والدولية الرامية إلى كسر حالة الجمود السياسي المستمرة منذ سنوات، حيث دفعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بخارطة طريق جديدة تتسم بملامح أكثر تحديداً وإلزاماً من سابقاتها، في محاولة لتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات وطنية شاملة تعيد الشرعية للمؤسسات وتضع البلاد على مسار الاستقرار.
خلال لقائها بنائب القائد العام للقوات المسلحة الليبية، الفريق أول صدام حفتر، شددت الممثلة الخاصة للأمين العام، هانا تيتيه، على أن تعديل القوانين الانتخابية يمثل المدخل الأساسي لإنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة. وأكدت أن مجلسي النواب والدولة يتحملان مسؤولية تاريخية في صياغة إطار قانوني واضح، يتيح للشعب الليبي اختيار ممثليه عبر صناديق الاقتراع، بعيداً عن الحسابات الضيقة والمصالح الفئوية.
من جهته، أعاد صدام حفتر التأكيد على التزام المؤسسة العسكرية بالحلول السلمية ودعم أي مسار من شأنه توحيد المؤسسات وإرساء قواعد الشرعية.
البعد الإنساني كان حاضراً في النقاش، حيث أشار حفتر إلى الجهود المبذولة لدعم عودة اللاجئين السودانيين طوعياً، بما يعكس تداخلاً بين الأزمات الإقليمية والداخل الليبي.
ويأتي هذا في ظل إدراك متزايد أن أي مسار سياسي لن ينجح ما لم يترافق مع استقرار أمني وإنساني.
على الصعيد الدولي، كثفت تيتيه لقاءاتها مع سفراء الاتحاد الأوروبي وسفراء دول أخرى فاعلة، حيث قدمت إحاطة شاملة حول تحركاتها مع الأطراف الليبية والمجتمع المدني.
وأكدت أن الهدف النهائي يتمثل في إجراء انتخابات شاملة وتوحيد المؤسسات السيادية والعسكرية والأمنية، باعتبارها الركيزة الأساسية لأي استقرار مستدام.
اللافت في هذه الخارطة الجديدة، كما أشار الباحث السياسي محمد محفوظ، أنها المرة الأولى التي تقترن فيها المبادرات الأممية بآجال زمنية محددة، بخلاف اتفاقيتى الصخيرات وجنيف اللذين افتقدا عنصر الإلزام. فقد منحت البعثة مجلسي النواب والدولة مهلة لا تتجاوز شهرين لإنجاز القوانين الانتخابية واستكمال شغل المقاعد الشاغرة في المفوضية العليا للانتخابات، مع التأكيد أن الفشل في الالتزام سيقود إلى خيار بديل يتمثل في إطلاق حوار سياسي شامل وفق مقترحات اللجنة الاستشارية.
توافق دولي غير مسبوق
هذا التطور يعكس توافقاً دولياً غير مسبوق، تجلى في بيان مجلس الأمن الأخير الذي رحب بالخارطة وأكد دعمه لها، لكنه في الوقت نفسه ربط أي اعتماد رسمي للمخرجات بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى جدية الأطراف المحلية في الاستجابة لهذا الضغط الدولي، خاصة في ظل التجارب السابقة التي انتهت إلى تعطيل أو إفشال مسارات سياسية بسبب صراع الحكومات على الشرعية والموارد.
المعضلة الأبرز تبقى في غياب ضمانات تحول دون تكرار سيناريو حكومات الأمر الواقع، مثلما حدث مع السراج سابقاً والدبيبة حالياً، حيث استحوذت هذه الحكومات على صلاحيات واسعة دون التوصل إلى قاعدة دستورية متفق عليها.
وهنا، تسعى البعثة الأممية إلى بلورة آليات جديدة تحدد مهام الحكومة المقبلة بشكل دقيق، بحيث تكون مهمتها الأساسية تهيئة الأجواء للانتخابات لا الانخراط في برامج التنمية أو التصرف في الأموال العامة.
اختبار حاسم
في المحصلة، تقف ليبيا أمام اختبار حاسم: إما أن يستجيب الفاعلون المحليون للآجال الزمنية والالتزامات الدولية، ويمهدوا الطريق لانتخابات طال انتظارها، أو أن تجد البلاد نفسها أمام حوار بديل يعيد إنتاج سيناريوهات الإطالة والتعقيد.
وبين هذين الخيارين، يبقى العامل الحاسم هو قدرة الليبيين على تغليب المصلحة الوطنية على الانقسامات، والانتقال من مرحلة التنافس على السلطة إلى بناء مؤسسات شرعية قادرة على إدارة دولة منهكة بالحروب والانقسامات.