عشرات القتلى في قصف لقوات الدعم السريع استهدف مسجداً فى معسكر للنازحين بدارفور
تصعيد خطير فى الفاشر .. والمعارك تدخل مقر بعثة “يوناميد” السابق

كتبت : د.هيام الإبس
قٌتل ما لا يقل عن 75 شخصاً الجمعة في قصف بطائرة مسيّرة استهدف مسجداً بمدينة الفاشر في دارفور غرب السودان، وفق حصيلة أولية لأجهزة الإسعاف، ويثير الهجوم، الذي نفذته قوات الدعم السريع، مخاوف من مجازر جماعية مع اقترابها من السيطرة على المدينة.
وفق حصيلة لأجهزة إسعاف، فإن 75 شخصاً على الأقل قتلوا الجمعة في قصف بطائرة مسيرة استهدف مسجداً في الفاشر في دارفور بغرب السودان، نفذته قوات الدعم السريع التي تُواصِل هجومها لإخراج الجيش من المدينة.
تصاعدت حدة المواجهات العسكرية في مدينة الفاشر، حاضرة إقليم دارفور غرب السودان، مع انتقال المعارك إلى داخل مقر بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي السابقة “يوناميد”، والذي يعد قاعدة رئيسية لقوات الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني.
وفى تطور خطير يؤشر إلى تغير موازين القوى داخل المدينة، أعلن كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السيطرة على القاعدة، وسط معارك عنيفة تخللتها ضربات مدفعية وغارات بالطيران المسير.
المواجهات تنتقل إلى “يوناميد”
تعد قاعدة “يوناميد” الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من الفاشر واحدة من أهم النقاط الاستراتيجية، حيث تتمركز فيها غالبية قوات الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، وتضم غرفة القيادة والسيطرة التي تدير العمليات في المدينة.
وقالت مصادر محلية إن المعارك اشتدت أولاً داخل معسكر أبو شوك شمال الفاشر، قبل أن تنتقل إلى داخل مقر “يوناميد”، مما أجبر الجيش والحركات على التراجع نحو محيط جامعة الفاشر.
وأكدت صور ومقاطع متداولة على منصات تابعة لقوات الدعم السريع وجود عناصرهم داخل وحول المقر، إلى جانب خنادق، خيام، وسيارات محترقة في محيطه، ما يعزز رواية تقدمهم في المنطقة.
عمليات كر وفر ومعارك شوارع
وفقاً لتحليل الموقف الميداني، لا يزال جسر الدرجة الأولى، الرابط بين وسط المدينة ومقر “يوناميد”، يشكل خط تماس ساخن بين الطرفين، فيما تدور معارك متقطعة في أحياء شمالية وجنوبية، في ظل نزوح واسع للسكان من المناطق القريبة من خطوط القتال.
وقال مصدر عسكري بالقوة المشتركة، إن الجيش والمستنفرين تمكنوا من صد الدعم السريع في الجهة الجنوبية، وطردهم من مناطق مثل قشلاق الجيش وحي أولاد الريف حتى حدود سوق المواشي.
في المقابل، نفت مصادر بالجيش أن تكون قوات الدعم السريع قد اقتربت من القيادة العامة وسط المدينة، مشيرةً إلى أن الوضع “مطمئن”، مع تنفيذ عمليات نوعية في أحياء النصرات، الشرفة، القبة، وأولاد الريف.
الطيران المسير يدخل بقوة
من جانب آخر، أفادت مصادر عسكرية بأن الطيران المسير التابع للجيش السوداني نفذ غارات مكثفة على حشود الدعم السريع في الشمال، ما أجبرهم على التراجع من أجزاء واسعة من مقر “يوناميد” ومعسكر أبو شوك.
وتعتبر السيطرة على هذا المحور حيوية في صد تقدم الدعم السريع نحو قلب المدينة.
الضغط يشتد على الجيش فى الفاشر
تأتى هذه التطورات بعد تقدم متسارع للدعم السريع خلال الأسابيع الماضية داخل الفاشر، حيث سيطرت على عدد من الأحياء الشمالية والشرقية، مما زاد من الضغط على قيادة الفرقة السادسة مشاة، وهى القاعدة الرئيسية للجيش في دارفور.
ويسعى الدعم السريع إلى السيطرة الكاملة على الفاشر، باعتبارها آخر معاقل السلطة المركزية في الإقليم، وهو ما ينذر بتحول المدينة إلى ساحة حاسمة في الصراع الممتد منذ أكثر من عامين.
أوضاع إنسانية تزداد تدهوراً
أشارت مصادر محلية إلى نزوح واسع من أحياء الشمالية الشرقية للفاشر ومعسكر أبشوك، نحو مناطق أقل اشتعالاً مثل الدرجة الأولى، أبشوك الحلة، ومحيط جامعة الفاشر، في ظل تدهور متواصل للوضع الإنساني وغياب المساعدات.
ويخشى المراقبون من كارثة إنسانية وشيكة إذا استمرت المعارك على هذا النحو داخل المدينة المكتظة بالمدنيين.
وتخشى المنظمات الإنسانية وقوع مجازر جماعية إذا سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة، تستهدف خصوصاً المجموعات غير العربية، كقبيلة الزغاوة التي تشكّل العمود الفقري للقوات المشتركة المتحالفة مع الجيش.
قفزة فى أعداد الضحايا المدنيين بالسودان
أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة، بارتفاع عدد الضحايا المدنيين في السودان، خلال النصف الأول من العام الجاري، في ظل تصاعد العنف على أساس عرقي.
وزادت حدة العنف ضد المدنيين إلى مستويات مروعة منذ اندلاع الصراع في السودان منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، والذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ووفقاً لتقرير جديد أصدره مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، لقي ما لا يقل عن 3384 مدنياً حتفهم بين يناير ويونيو الماضيين، معظمهم في دارفور.
ويعادل هذا الرقم ما يقرب من 80% من إجمالي الخسائر البشرية الموثقة بين المدنيين في السودان، العام الماضى.
وقال لي فونج، ممثل المفوضية في السودان، لصحفيين في جنيف: “نتلقى يومياً المزيد من التقارير عن أهوال على الأرض”، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء.
وقالت المفوضية إن غالبية عمليات القتل نجمت عن قصف مدفعي، بالإضافة إلى غارات جوية وطائرات بدون طيار (درون) في مناطق مكتظة بالسكان.
وأشار التقرير إلى وقوع كثير من الوفيات خلال هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، وعلى معسكرات زمزم وأبو شوك للنازحين في أبريل الماضي.
وخلص التقرير إلى سقوط ما لا يقل عن 990 مدنياً في عمليات إعدام صدرت الأحكام فيها وفق إجراءات موجزة خلال النصف الأول من العام، مع تزايد العدد 3 أمثال من فبراير إلى أبريل.
وقالت المفوضية إن ذلك يعود إلى تصاعد وتيرة عمليات الإعدام، لا سيما في الخرطوم، بعدما استعادت القوات المسلحة السودانية ومقاتلون متحالفون معها في أواخر مارس، المدينة التي كانت تسيطر عليها سابقاً قوات الدعم السريع.
وقال المتحدث باسم المفوضية جيريمي لورانس: “قال شاهد راقب عمليات تفتيش القوات المسلحة السودانية في الأحياء المدنية في منطقة شرق النيل بالخرطوم بين مارس وأبريل، إنه رأى أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 14 أو 15 عاماً متهمين بالانتماء إلى قوات الدعم السريع يجري قتلهم بإجراءات موجزة”.
البرهان يرسم ملامح ما بعد الحرب ويؤكد: لا مساومة على وحدة السودان
من جهةأخرى، التقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، مساء الخميس، بعدد من المفكرين والإعلاميين والمثقفين ورجال الأعمال السودانيين المقيمين في قطر، وذلك بمقر السفارة السودانية في العاصمة الدوحة.
عرض شامل للوضع الميداني والسياسي
خلال اللقاء، قدم الفريق أول البرهان توضيحاً مفصلاً حول مجريات الحرب الدائرة في السودان، والتي وصفها بـ”حرب الكرامة الوطنية”، مؤكداً أن القوات المسلحة تحقق تقدماً ميدانياً كبيراً في مختلف جبهات القتال ضد مليشيا الدعم السريع “الإرهابية”، على حد وصفه.
وقال البرهان إن “الشعب السوداني يخوض حرباً مصيرية من أجل عزة وكرامة وطنه”، مشيداً بالتفاف المواطنين حول القوات المسلحة وثقتهم بقدرتها على “حسم التمرد”، وشدد على أن “النصر بات قريباً، ولن نضع السلاح حتى نفك الحصار عن الفاشر وزالنجي وبابنوسة، وكل شبر دنسته المليشيا”.
انفتاح على الحلول السياسية بشروط
في جانب آخر من كلمته، أبدى رئيس مجلس السيادة انفتاح الحكومة على أي مبادرة لوقف الحرب، “شريطة أن تحافظ على وحدة السودان وسيادته وتصون مؤسساته الوطنية”، مشيراً إلى أن السودان “لن يرهن قراره لأي جهة خارجية مهما كانت علاقاته بها”.
كما جدد البرهان التزام الدولة بحماية من يلقي السلاح وينحاز إلى الصف الوطني، قائلاً: “أي سياسي معارض يرجع إلى رشده وصوابه سيجد الساحة السياسية مفتوحة له ومرحبة بعودته”.
وأعرب البرهان عن تقديره للقوات المسلحة، والقوات النظامية، والمقاومة الشعبية “بكل مسمياتها”، مؤكداً استمرار المعركة حتى “تطهير كامل التراب السوداني من أوباش مليشيا آل دقلو الإرهابية”.
مبادرات حل الأزمة
وفيما يتعلق بمبادرات حل الأزمة السودانية، قال البرهان إنه أبلغ الولايات المتحدة “أننا لن نقبل بفرض أجندة خارجية أو أي حل لا يلقى قبول السودانيين”.
وأضاف “نمد أيدينا لأي مبادرة لتحقيق السلام في السودان شريطة استسلام المتمردين.. ومستعدون للسلام اليوم قبل الغد إذا سلمت المليشيا سلاحها وتجَمّعت في مناطق محددة”.
وقال البرهان، إن المليشيا -في إشارة إلى الدعم السريع- تتلقى دعماً عسكرياً متواصلاً بأسلحة حديثة عبر تشاد.
وأضاف “حربنا حرب وجودية هدفها القضاء على المليشيا والحفاظ على وحدة السودان”.
وعن تحالف “تأسيس”، اتهم البرهان التحالف بأنه غطاء لمنح شرعية للمتمردين، وقال “سنقاتلهم حتى القضاء عليهم”، مشيراً إلى أن خلافات القوى السياسية أعاقت تشكيل البرلمان.
كما اتهم البرهان الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة في الفاشر، وقال إنها خرقت قرارات مجلس الأمن بشأن منع إدخال الأسلحة لدارفور، ورفضت الهدنة الأممية في المدينة.
وفي الشأن الإقليمي، وصف البرهان الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر بأنه عدوان غادر وظالم يستهدف دولة ذات سيادة، مؤكداً دعم السودان الكامل لقطر في مواجهة هذا العدوان.
وأضاف أن العلاقات بين البلدين قوية وراسخة، وأن الدوحة تقف دوماً إلى جانب السودانيين.