أراء وقراءات

غزة تُعيد الإنسانية للبشرية: ضمير أوروبا ينتفض وصمت العرب يخذلها

بقلم :عبير الحجار

لم تكن غزة مجرد جغرافيا صغيرة محاصرة بالنار والدمار، بل تحولت إلى بوصلة تُعيد للإنسانية معناها الحقيقي. تحت القصف والحصار، قدّم أهل غزة أروع صور الصمود والإصرار، ليصيروا أيقونة عالمية للحرية والكرامة.

هذا المشهد الملتهب لم يمرّ مرور الكرام على شعوب أوروبا. فمن باريس إلى لندن، ومن برلين إلى روما، خرجت الملايين في مظاهرات غاضبة، تحمل الأعلام الفلسطينية وتردد هتافات تُدين الحرب وتطالب بوقفها فورًا. لكن المشهد الأكثر تأثيرًا كان في قلب إيطاليا، حيث اجتمع الآلاف في شوارع روما وميلانو، يهتفون: “لا للحرب.. نعم لفلسطين”، لتتحول الساحات إلى صوت إنساني واحد يرفض الظلم.

هذه الاحتجاجات لم تكن مجرد تعبير عاطفي، بل ضغط حقيقي دفع العديد من الحكومات الأوروبية لإعادة النظر في مواقفها. لقد شاهدنا دولًا أوروبية تُعلن اعترافها بدولة فلسطين، خطوة رمزية لكنها تحمل معنى عميق: أن العالم بدأ يصغي لنبض الشارع ويتحرر من أسر الخطاب المزدوج.

شوارع أوروبا تنتفض للمطالبة بوقف الحرب على غزة

لكن على الضفة الأخرى، خيّب الواقع العربي الآمال. فبينما انتفضت شوارع أوروبا للعدل والحق، ساد الصمت في معظم العواصم العربية، واكتفى حكامها ببيانات باهتة لا تُغني ولا تُسمن من جوع. الشعوب العربية نفسها، التي كان يُفترض أن تكون خط الدفاع الأول، عاشت حالة من التردد والجمود، وكأن القضية لا تعنيها أو كأنها باتت مجرد خبر عابر على شاشات الأخبار.

غزة اليوم لم تُحرّك حدود السياسة فقط، بل أعادت تعريف معنى الإنسانية للبشرية كلها. فهي تقول للعالم: أن تكون إنسانًا يعني أن ترفض القتل مهما كان الفاعل، وأن تنحاز للضحايا مهما كان موقعهم.

إن دموع أطفال غزة وآلام أمهاتها لم تذهب سدى؛ فقد أيقظت ضميرًا عالميًا في أوروبا، لكنها في الوقت ذاته فضحت تقاعس العرب، حكامًا ومحكومين، لتبقى الحقيقة واضحة: غزة أعادت الإنسانية للبشرية، لكنها عرّت عجز الأمة عن نصرة نفسها.

 

عبير عبد السلام الحجار 

كاتبة صحفية وإعلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى